للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا فَعَلَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ وَحْيٍ فِي خُصُوصِهِ، كَإِذْنِهِ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ صَادِقَهُمْ مِنْ كَاذِبِهِمْ، وَكَأَسْرِهِ لِأُسَارَى بَدْرٍ، وَكَأَمْرِهِ بِتَرْكِ تَأْبِيرِ النَّخْلِ، وَكَقَوْلِهِ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ الْحَدِيثَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى لَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْطِقُ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْلِ الْهَوَى وَلَا يَتَكَلَّمُ بِالْهَوَى.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ لَا بِهَوًى وَلَا بِكَذِبٍ وَلَا افْتِرَاءٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى.

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ أَحَدٌ بِعَمَلِ غَيْرِهِ.

وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ رُبَّمَا انْتَفَعَ بِعَمَلِ غَيْرِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ الْآيَةَ [٥٢ \ ٢١] ، فَرَفْعُ دَرَجَاتِ الْأَوْلَادِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّهُمُ الْكِبَارُ أَوِ الصِّغَارُ نَفْعٌ حَاصِلٌ لَهُمْ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ بِعَمَلِ آبَائِهِمْ لَا بِعَمَلِ أَنْفُسِهِمْ.

اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ هَذَا كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا، فَنُسِخَ فِي شَرْعِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ آيَةُ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مُحْكَمَةٌ، كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ خُصُوصُ الْكَافِرِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا.

وَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى نَفْيِ مِلْكِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِ سَعْيِهِ، وَلَمْ تَدُلَّ عَلَى نَفْيِ انْتِفَاعِهِ بِسَعْيِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَأَنْ لَنْ يَنْتَفِعَ الْإِنْسَانُ إِلَّا بِمَا سَعَى، وَإِنَّمَا قَالَ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ. وَبَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ سَعْيَ الْغَيْرِ مِلْكٌ

<<  <   >  >>