وَحَاصِلُ إِيضَاحِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الذِّكْرَى تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِ حِكَمٍ:
الْأُولَى: خُرُوجُ فَاعِلِهَا مِنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِهَا.
الثَّانِيَةُ: رَجَاءُ النَّفْعِ لِمَنْ يُوعَظُ بِهَا، وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى هَاتَيْنِ الْحِكْمَتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [٧ \ ١٦٤] ، وَبَيَّنَ الْأَوْلَى مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ [٥١ \ ٥٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [٤٢ \ ٤٨] ، وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ. وَبَيَّنَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [٥١] .
الثَّالِثَةُ: إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى الْخَلْقِ، وَبَيَّنَهَا تَعَالَى بِقَوْلِهِ: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [٤ \ ١٦٥] وَبِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا الْآيَةَ [٢٠ \ ١٣٤] ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَرَّرَ الذِّكْرَى حَصَلَتِ الْحِكْمَةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ، فَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ طَمَعٌ اسْتَمَرَّ عَلَى التَّذْكِيرِ وَإِلَّا لَمْ يُكَلَّفْ بِالدَّوَامِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا بَقَاءَ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ ظَاهِرِهَا الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا، وَأَنَّ مَعْنَاهَا: فَذَكِّرْ مُطْلَقًا إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى، وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ، لِأَنَّنَا نَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ كِتَابِ اللَّهِ عَنْ ظَوَاهِرِهِ الْمُتَبَادِرَةِ مِنْهُ؟ إِلَّا لِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ لَهُ، وَإِلَى بَقَاءِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا.
جَنَحَ ابْنُ كَثِيرٍ حَيْثُ قَالَ فِي تَفْسِيرِهَا: أَيْ ذَكِّرْ حَيْثُ تَنْفَعُ التَّذْكِرَةُ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ الْأَدَبُ فِي نَشْرِ الْعِلْمِ، فَلَا يَضَعُهُ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تُبَلِّغُهُ عُقُولَهُمْ، إِلَّا كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ، وَقَالَ: حَدَّثَ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُرِيدُونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
تَنْبِيهٌ
هَذَا الْإِشْكَالُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ، إِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِاعْتِبَارِ دَلِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute