فِي الْآيَةِ أَصْلًا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مَا يَقَعُ مِنَ الْكُفَّارِ مِنَ الْخَوْضِ فِي آيَاتِ اللَّهِ فِي مُجَالَسَتِهِمْ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهَذَا التَّرْخِيصُ فِي مُجَالَسَةِ الْكُفَّارِ لِلْمُتَّقِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِلضَّرُورَةِ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِالنَّسْخِ فِيهِ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ، فَظَهَرَ أَنْ لَا إِشْكَالَ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [٦] ، عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ إِذَا اجْتَنَبُوا مَجَالِسَهُمْ سَلِمُوا مِنَ الْإِثْمِ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ بِاتِّقَاءِ مُجَالَسَتِهِمْ عِنْدَ الْخَوْضِ فِي الْآيَاتِ لَا يُسْقِطُ وُجُوبَ تَذْكِيرِهِمْ وَوَعْظِهِمْ وَأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اللَّهَ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَالْمَعْنَى أَنَّ التَّرْخِيصَ فِي الْمُجَالَسَةِ لَا يُسْقِطُ التَّذْكِيرَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الْخَوْضَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِالْبَاطِلِ إِذَا وَقَعَتْ مِنْكُمُ الذِّكْرَى لَهُمْ، وَأَمَّا جَعْلُ الضَّمِيرِ لِلْمُتَّقِينَ فَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا.
يَتَوَهَّمُ مِنْهُ الْجَاهِلُ أَنَّ إِنْذَارَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوصٌ بِأُمِّ الْقُرَى وَمَا يَقْرُبُ مِنْهَا دُونَ الْأَقْطَارِ النَّائِيَةِ عَنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ حَوْلَهَا وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الشُّورَى» وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ [٤٢ \ ٧] .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تُصَرِّحُ بِعُمُومِ إِنْذَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَمِيعِ النَّاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [٢٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [٦ \ ١٩] ، وَقَوْلِهِ:
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [٧ \ ١٥٨] ، وَقَوْلِهِ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute