فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مَرْفُوعًا: إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا وَالْأَحَادِيثُ بِرُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَوَاتِرَةٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الْآيَةَ.
لَا يُعَارِضُ آيَاتِ السَّيْفِ لِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يُفْهَمُ مِنْهَا كَوْنُ عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ غَيْرَ بَاقٍ بَقَاءً لَا انْقِطَاعَ لَهُ أَبَدًا وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [١١ ١٠٦ - ١٠٧] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا [٧٨ ٢٣] .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَذَابَهُمْ لَا انْقِطَاعَ لَهُ كَقَوْلِهِ: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [٤ \ ٥٧] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ مَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ عَدَمَ خُلُودِهِ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ النَّارِ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَهُمْ أَهْلُ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَأَبِي سِنَانٍ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَغَايَةُ «مَا» فِي هَذَا الْقَوْلِ إِطْلَاقُ «مَا» وَإِرَادَةُ مَنْ وَنَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [٤ ٣]
الثَّانِي: أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا اللَّهُ هِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي بَيْنَ بَعْثِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَاسْتِقْرَارِهِمْ فِي مَصِيرِهِمْ قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ فِيهِ إِجْمَالٌ وَقَدْ جَاءَتِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُصَرِّحَةً بِأَنَّهُمْ خَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا، وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ خُلُودٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ، وَالظُّهُورُ مِنَ الْمُرَجِّحَاتِ فَالظَّاهِرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُجْمَلِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.