للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى السُّؤَالِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ وَعَدَمَ السُّؤَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَسْتَلْزِمُهُ الْإِقْرَارُ بِالنُّبُوَّاتِ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [٢٨ \ ٦٥] ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ.

فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِشْكَالٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: مَنَعَكَ مَعَ لَا النَّافِيَةِ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ فِي الظَّاهِرِ لِقَوْلِهِ: مَنَعَكَ بِحَسَبِ مَا يَسْبِقُ إِلَى ذِهْنِ السَّامِعِ لَا مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، هُوَ حَذْفُ لَا فَيَقُولُ: مَا مَنَعَكَ أَنَّ تَسْجُدَ دُونَ أَلَّا تَسْجُدَ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ: مِنْ أَقْرَبِهَا هُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَهُوَ أَنَّ بِالْكَلَامِ حَذْفًا دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ.

وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ، فَأَحْوَجَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّهُ حَسَنٌ قَوِيٌّ.

وَمِنْ أَجْوِبَتِهِمْ أَنَّ «لَا» صِلَةٌ وَيَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «ص» مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ الْآيَةَ [٣٨] ، وَقَدْ وَعَدْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ نُبَيِّنُ الْقَوْلَ بِزِيَادَةِ «لَا» مَعَ شَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [٩٠] ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [٩٥ \ ٣] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ.

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يُتَوَهَّمُ خِلَافُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِ آيَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا الْآيَةَ [١٧ \ ١٦] .

وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَظْهَرُهَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا أَيْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ فَفَسَقُوا، أَيْ بِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا إِشْكَالَ فِي الْآيَةِ أَصْلًا.

<<  <   >  >>