وسلمنا بمدلوله، مع عجزنا عن تأويله وتحديد عاقبته العملية.
والتنوين في كُلٌّ عوض عن كلمة مقدرة، تقديرها: القرآن.
أي: كلّ القرآن من عند ربنا، سواء كانت آياته محكمات أم كانت متشابهات. فالله أنزل الآيات المحكمات، والله أنزل الآيات المتشابهات.
وقد أثني الله علي هذا الموقف للراسخين في العلم بقوله: وما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.
وصفهم بأنهم أولوا الألباب، والألباب هي العقول الواعية، إنه لا يتذكر هذا المعنى للآيات المتشابهات إلا أولو الألباب، ولا يعلم عجزه عن تأويلها العمليّ إلا الراسخون في العلم، أصحاب العقول الواعية الكبيرة.
وبينما ذمّت الآية الذين في قلوبهم زيغ لرغبتهم في تأويل المتشابه، فإنها أثنت علي الراسخين في العلم لموقفهم العلميّ منه، ويبدو هذا الثناء في ما يلي:
١ - وصفهم بالرسوخ في العلم. ومعنى الرسوخ: التمكن والتثبت والتوثق. فهم ليسوا مجرد علماء، ولكنهم راسخون في العلم، متمكنون منه، واثقون من مسائله ومباحثه.
وإنّ رسوخهم في العلم دلهم علي صلاحياتهم وقدراتهم وطاقاتهم ومجالاتهم، فخاضوا فيها وبحثوها، وأحسنوا استخدام عقولهم ومعرفة علومهم.
وإنّ رسوخهم في العلم أوقفهم علي ما ليس في وسعهم وطاقتهم، وعرّفهم علي ما لم يزوّدهم الله وسائل البحث فيه، من موضوعات الغيب، فوقفوا عند حدّهم لم يتجاوزوه، ووفروا طاقتهم العقلية فلم يضيعوها في تلك المجالات التي لم تجهّز للخوض فيها.
٢ - إعلان الراسخين في العلم إيمانهم بقسمي القرآن: محكمه ومشابهه،