وتسليمهم بعجزهم عن إمكانية تأويل المتشابه تأويلا عمليا، وقصر هذا التأويل علي الله. وبذلك أحسنوا فهم آيات القرآن وتدبرها، وأحسنوا التعامل مع القرآن، ولم يضربوا بعض آياته ببعض.
٣ - وصفهم بأنهم أولو الألباب، فصاحب العقل الكبير يعلم حدوده، يعلم ما يقدر عليه، فيشتغل فيه، ويعلم ما يعجز عنه، فيقف عنده، ولا يضيع قدراته ووقته فيه.
٤ - لاحظ الراسخون في العلم افتتان زائغي القلوب في متشابهات القرآن، وضياعهم في محاولات تأويلها، فطلبوا من الله أن لا يكونوا مثلهم، وأن لا يزيغ قلوبهم كما أزاغ قلوب أولئك، وأن يثبتهم علي الهداية، وأن ينشر عليهم الرحمة، ودعوا الله قائلين: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا، وهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
٥ - ذكر الراسخون في العلم نوعا من أنواع متشابه القرآن الذي لا يعلمون تأويله، فلا يعلم تأويله إلا الله، ولا يأتي به إلا الله، علي الكيفية التي يريدها سبحانه. إنه يوم القيامة. ولهذا أعلنوا إيمانهم به، وبمجيئه حتما، بدون شك ولا ريب: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ.
لقد تحدثت آيات القرآن عن أشراط الساعة، ومشاهد يوم القيامة، وأخبرت عن أحداث قادمة ستقع فيه.
والذين في قلوبهم زيغ حاولوا تأويل تلك الآيات، وتحديد حقيقة ما ستئول إليه عمليا، فافتتنوا وضلوا وأضلوا.
أما الراسخون في العلم فقد أيقنوا بعجزهم عن تأويل تلك الآيات، وتحديد ما ستئول إليه عمليا، فأعلنوا إيمانهم بها، وسلموا لله حقيقة تأويلها، وكيفية تحقيقها.