علي هذا المعنى للتأويل- وهو تحديد حقيقة الأخبار الغيبية عمليا- يكون الذين في قلوبهم زيغ مفتونين ضالين لخوضهم فيه، ويكون الراسخون في العلم مهتدين ممدوحين، وعلميين موضوعيين، لعجزهم عن تأويله، وتسليمهم بقصره علي الله وإيمانهم به.
لكن هل عجز الراسخين في العلم عن التأويل العلمي لهذه الآيات، يعنى عدم فهمهم لها؟ وعدم تفسيرهم لها؟ وعدم بيانهم لمعانيها؟ وهل في القرآن ما لا يفهم معناه؟ وهل خاطبنا الله بما لا نفهمه؟
بعض الناس لم يفرّقوا بين العجز عن التأويل وبين فهم معاني الآيات، وظنّوا أن عجز العلماء عن تأويل الآيات المتشابهات يلزم منه عدم فهمهم لمعانيها، وعدم قدرتهم علي تفسيرها.
وقالوا: ليس في القرآن ما لا يفهم معناه، ولم يخاطبنا الله في القرآن بما لا نعلمه، ويجب علينا أن نفهم كلّ الآيات، محكمات أو متشابهات، ويجب أن نؤوّل كلّ الآيات، محكمات أو متشابهات.
ومنشأ الخطأ عندهم عدم تفريقهم بين فهم معاني الآيات المتشابهات، وبين العجز عن تأويلها.
إنّ العجز عن تأويل الآيات التي تتحدث عن أمور غيبية، وعدم القدرة علي تحديد الصورة العملية النهائية التي تؤول لها تلك الآيات، لا يعنى عدم فهمها وعدم تفسيرها، وعدم معرفة معانيها.
لم يخاطبنا الله في القرآن بما لا نفهم معناه، فكلّ آية وكلمة في القرآن مفهومة المعني، ويجب علينا أن نتدبّرها ونفسرها ونبين معناها، لأنّ القرآن نزل بلسان عربي مبين، وكلماته عربية، والكلام العربي له معنى معلوم مفهوم.