دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلم لابن عباس بقوله:(اللهم فقّه في الدين، وعلّمه التأويل)
ورد في حديث صحيح، إسناده قوي، على شرط مسلم.
وعند ما ننظر في هذا الدعاء، فإننا نري الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد جمع بين الفقه في الدين وتعلّم التأويل، وعطف علم تأويل القرآن على الفقه في الدين.
إنّ قوله: وعلمه التأويل» أو «علّمه تأويل القرآن» يدلّ على أنّ التأويل علم مستقل قائم بذاته، وأنّ التأويل يحصّله الانسان بالتعلم والتحصيل والاكتساب، إضافة إلي ما وهبه الله من ملكة وموهبة وفطنة.
والتأويل المذكور هنا هو المعنى الثاني الذي تحدثنا عنه أثناء وقفتنا مع آية المحكم والمتشابه في سورة آل عمران، وهو الفهم والفقه والتفسير والبيان.
لقد علم الله ابن عباس رضي الله عنهما تأويل القرآن، ففهم معاني القرآن، وأوّل آياته.
وندعو إلي ملاحظة تحقق معنى التأويل في فقه اللغة - الذي سبق أن قرّرناه - على علم ابن عباس بتأويل القرآن.
فإذا كان أساس اشتقاق ومعنى التأويل هو الردّ والحمل والإرجاع والإحالة، وبيان المرجع والمآل والعاقبة والنهاية، فإنّ تأويل ابن عباس للقرآن بالمعنى العلمي، الذي أتقنه وفقهه، يبدو فيه المعنى الأصلي ظاهرا.
فعند ما كان ابن عباس يؤوّل آية من القرآن، فإنما كان يحملها على المعلومات التفسيرية الصحيحة من أحاديث وأسباب نزول ولغة العرب، ويعيدها إليها، وينظر في الآية التي يؤوّلها على ضوء هذه المعلومات التي بين يديه، فيكون تأويله لهذه الآية صائبا، وفهمه لها صحيحا، واستنباطه منها دقيقا، وهو بهذا التأويل يقدم حقيقة معنى الآية، ويقرر مآلها وعاقبتها العلمية التي تريد تقريرها.