للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا كان التفضيل علي ظاهره، فكيف يكون المعني؟ هل يعتبر إيفاء الكيل والوزن أفضل من تركه وتطفيف المكيال والميزان؟ كلا.

إنّ الإيفاء ليس أفضل من الإنقاص والتطفيف! لأنه لا مجال للمقارنة أو المفاضلة بينهما. فالإيفاء واجب والتطفيف حرام، ولا مفاضلة بين الواجب والحرام. هل نقول: إنّ الزواج أفضل من الزنا؟ وإنّ الصلاة أفضل من تركها؟ لو فعلنا ذلك لظلمنا الزواج والصلاة، عند مقارنتهما بأضدادهما.

ألم تر أنّ السيف ينقص قدره ... إذا قيل: هذا السيف أمضي من العصا

التفضيل هنا «ذلك خير» ليس علي ظاهره، ولا تفاضل بين الإيفاء والتطفيف، وإنما تفضيل الإيفاء في ذاته، لأنّ المقصود الثناء علي الإيفاء في نفسه، وبيان قيمته، وحثّ المسلمين عليه. أي: الإيفاء فاضل وخير وطيّب ونافع وجيد.

وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا: هذه الجملة معطوفة علي ما قبلها، سيقت للدعوة إلي إيفاء المكيال والميزان، والثناء عليه، والترغيب فيه.

إنّ ايفاء المكيال والميزان خير في ذاته، وهو أحسن تأويلا.

فما معنى التأويل هنا؟ وهل يخرج عن معناه في الآيات السابقة التي حللناها؟.

معنى أَحْسَنُ تَأْوِيلًا: إيفاء المكيال والميزان أحسن ردا، وأحسن عاقبة، وأحسن مالا، وأحسن نهاية، وأحسن إرجاعا، وهذا هو معنى التأويل الذي استعمله القرآن: «هو ردّ الشيء إلي الغاية المرادة منه، علما كان أو فعلا».

لماذا إيفاء المكيال والميزان أحسن مآلا وعاقبة وردا ونهاية؟

تريد الآية ترغيب المسلمين في إيفاء المكيال والميزان، وتحسينه في عيونهم، مع ترهيبهم من نقيضه، وتنفيرهم من التطفيف.

<<  <   >  >>