لا. ويجب ردّ المختلف فيه بين الرعية والحاكم إلي الله ورسوله.
لا يجوز لوليّ أمر المسلمين أن يمنع الآراء المخالفة لرأيه، ولا أن يصادرها، ولا أن يؤذي أصحابها، ولا أن يحرص علي جعل الناس كلّهم ظلا له، تابعين لرأيه، بل يجب عليه أن يسمح بتعدّد الاجتهاد، وتعدّد الآراء ووجهات النظر، ووجود أفراد في الأمة مخالفين له في اجتهاده.
في هذه الحالة يجب علي المختلفين المتنازعين المجتهدين من احكام والمحكومين أن يبحثوا عن حلّ نهائيّ للمسائل الخلافية، وأن يحتكموا إلي «حكم» ينهي النزاع، وأن يردّوا إليه الأمر، وأن يلتزموا بحكمة.
هذا الحكم، هو الأصل والميزان، إنه شرع الله، المتمثل في القرآن الكريم وحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«فإن تنازعتم في شيء، فردوه إلي الله والرسول، وإن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر».
وترغب الآية المسلمين حكاما والمحكومين بالردّ إلي الله ورسوله، وتبيّن عاقبته الجيدة فيهم، فتقول: ذلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلًا.
و «ذلك» اسم إشارة، والمشار إليه هو المذكور في الجملة السابقة، وهو ردّ المتنازع فيه إلي كتاب الله وسنة رسوله، فهذا الرد والاحتكام فيه إلي الأصل خير وبركة! وأفعل التفضيل في «خير» ليس علي ظاهره. أي لا يوجد في المسألة فاضل وأفضل منه. فالردّ إلي كتاب الله وسنة رسوله ليس خيرا من عدم الردّ إليها وليس أفضل من ترك الردّ إليها! فإنّ عدم الردّ إليها شرّ خالص، وباطل محض، ليس فيه ذرة خير أو نفع! إنما يراد بيان فضل الردّ في ذاته، دون التفات إلي تفضيله علي غيره، إنّ ردّ الأمر المتنازع فيه إلي الله ورسوله أحسن عاقبة وردا، وأحسن مرجعا ومآلا، وأحسن نهاية وحكما، وأحسن علاجا وحلا.