فهذا الأنصاري أمير السرية قد غضب من أصحابه، وتنازع معهم وتنازعوا معه في شيء، فأخذته صفاته البشرية من الضعف واستغلال المنصب وحبّ الانتقام، وهي أخطاء بشرية تعتري البشر ولو كانوا صالحين، فأمرهم بإلقاء أنفسهم في النار تنفيذا لأمره.
فهل ينفّذون الأمر، ويلقون أنفسهم فيها؟ بعضهم همّ بذلك من باب الطاعة والالتزام!! ولكنّ ذلك الشابّ الذكيّ منهم أعاد الأمر إلي الميزان، وردّ المسألة إلي الأصل: كيف تلقون أنفسكم فيها، وأنتم أسلمتم واتبعتم الرسول صلّى الله عليه وسلّم لينجيكم الله منها؟ لا تفعلوا! وعند ما نرجع للرسول عليه الصلاة والسلام نعرف حكمه في المسألة، وننفّذه، فإن أمرنا بذلك فعلنا!! إنّ هذا التفكير المنهجي العلميّ من هذا الشابّ الصحابيّ هو بحث عن تأويل أمر الأمير الغاضب، وسعي لمعرفة حقيقة الأمر، والوقوف علي مآله وعاقبته ونهايته.
ولذلك طالب بردّ الموضوع إلي الأصل، والاحتكام إلي المرجع والحكم، وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا هو معنى التأويل في الأسلوب القرآني.
لقد أوّل لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأمر المتنازع فيه والمختلف عليه مع الأمير الغاضب، وأصدر حكمه فيه، وذلك عند ما قال لهم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا.
فلو نفذ جنود السرية أمر الأمير الغاضب، ألقوا أنفسهم في النار من باب طاعة وليّ الأمر، لكن فعلهم أعظم شرا، وأسوأ تأويلا وتنفيذا وردا وتطبيقا وعاقبة، حيث يدخلهم الله نار جهنم، ولا يخرجهم منها! ولكنّهم أحسنوا عند ما أحالوا الأمر المختلف فيه علي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،