للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتأخرين، وعند المتقدمين الاعتماد لا يجب في الفاعل والمفعول والظرف، بل في سائرها. أمّا عند الكوفيين والأخفش منّا، فتعمل جميع تلك المذكورات بغير اعتماد على الأشياء الستة المذكورة، فلا يختص في هذه المواضع. تقول: مررت برجل في الدّار أبُوه، فجملة: في الدّار أبوه في محل الجرّ على أنها صفة لرجل، وأبوه فاعل الجار والمجرور، وهو يعمل فيه بالاعتماد على الموصوف. وبعض النُّحاة اختلف فيه والمصنِّف أشار إليه وقال: ولك في (أبوه) وجهان:

أحدهما أن تقدّره أي (أبوه) فاعلًا بالجار والمجرور ولنيابته، أي لنيابة الجار والمجرور، وتوحيد الضمير إمّا لكونهما كشيء واحد أو على سبيل البدل، أو من قبيل الاكتفاء عن استقرّ محذوفًا، هذا صريح بأن اختيار المصنّف في تقدير المتعلّق في الظرف هو الفعل، نعم يجوز أن يكون من قبيل الاكتفاء، لكن الأوّل أوْلى، قوله محذوفًا حال من استقر، وهذا أي تقدير (أبوه) فاعلًا بالجار والمجرور هو الرّاجح عند الحُذّاق، بضمّ الحاء المهملة، جمع حاذق وهو الماهر.

والثاني: مبتدأ، وجملة أن تقدّره خبره، وقد يتعدّى إلى المفعولين لأن ثلاثيّه متعدٍّ بنفسه، يقال قدّرت الشيءَ، فتعدّى إلى الثاني بالتّضعيف، فمفعوله الأوّل الضمير الراجع إلى (أبوه)، والثاني قوله مبتدأ مؤخرًا صفة والجار والمجرور خبرًا للواو وللعطف، وما بعدها بأسرها معطوف على مفعولي تقدّر، أي أنّ تقدير الجار والمجرور، وقوله مقدّمًا صفة خبرًا، وعلى هذا المنوال إعراب قوله: والجملة صفة، فعلى هذا الوجه، الجملة التي تقع صفة لرجل تكون اسمية، لأن (أبوه) مبتدأ، والظرف المقدّم: خبره، وتقول في الاعتماد على النفي: ما في الدّار أحد.

ما: بمعنى ليس، ولا عامل هنا لكون خبرها مقدّمًا على اسمها، فعند الحذّاق.

أحَدٌ: مرفوع على أنَّه فاعل للجار والمجرور، لاعتماده على النفي، وأما عند سائرهم، فأحد: مبتدأ، وفي الدّار: خبره. وقال الله: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} هذا مثال الاعتماد على الاستفهام فَشَكٌ بالرفع فاعل الجار والمجرور لاعتماده على الاستفهام خلافًا لمن جعله مبتدأ، والجار والمجرور خبرًا، [مثال الاعتماد على الموصول: جاءني الَّذي في الدّار أبوه]، مثال الاعتماد على المبتدأ: زيد في الدّار أبوه، ومثال الاعتماد على ذي الحال: رأيت زيدًا في الدّار أبوه.