ردًّا عليه: {أَطَّلَعَ الْغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٧٨) كَلَّا} [مريم: ٧٨، ٧٩] فحذف في مريم القسم الصحيح الذي هو أن الجميع كاذبون
المشار إليه في البقرة بقوله: {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٠)} [البقرة: ٨٠].
فالحاصل أن التقسيم الصحيح يحصر الأوصاف في ثلاثة: هي العهد من الله بذلك، واطلاع الغيب، والكذب على الله، اثنان باطلان، وواحد صحيح بالسبر الصحيح، وقسم اطلاع الغيب محذوف في البقرة مثبت في مريم، وقسم الكذب محذوف في مريم مثبت في البقرة، فكانت المثبت دليلًا على المحذوف في كلا الموضعين.
وسنذكر الآن إن شاء الله تعالى أثرين تاريخيين من آثار هذا الدليل العظيم:
الأول منهما: أثره في العقائد، وذلك هو ما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد وغيره مما يدل على أن أول مصدر تاريخي لكبح جماح المحنة العظمى -أعني محنة القول بخلق القرآن- هو هذا الدليل العظيم؛ وذلك أن محنة القول بخلق القرآن نشأت في أيام المأمون واستمرت في شدتها على ساق وقدم أيام المعتصم والواثق حتى أزالها الله على يد المتوكل، وقد عُرف في التاريخ ما أصاب العلماء فيها من الأذى والضرب والقتل حتى اضطر كثير منهم إلى المداهنة بالقول خوفًا، وقد ضُرب فيها سيد المسلمين في زمانه الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - تغمده الله برحمته وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا - في أيام المعتصم ضربًا مبرحًا كما هو معلوم، وقد