أما المقالة التي كذبها الله -جل وعلا- بهذا الدليل في سورة البقرة: فهي قول اليهود: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} فقد قال تعالى ردًّا عليهم: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٠)} [البقرة: ٨٠] فكأنه يقول لهم: لا يخلو مستندكم في دعواكم أن النار لن تمسكم إلا أيامًا معدودة من واحدة من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون الله أعطاكم عهدًا بذلك، فإنه لا يخلف الميعاد.
الثانية: أن تكونوا اطلعتم على الغيب فعلمتم أن الله كتب ذلك على اللوح المحفوظ أن النار لن تمسكم إلا أيامًا معدودة.
الثالثة: أن تكونوا قلتم ذلك افتراء وكذبًا على الله.
وإذا رجعنا إلى الأقسام الثلاثة وجدنا الأولين باطلين بطلانًا ضروريًا، فتعين صحة الثالث وهو أنهم قالوا ذلك كذبًا وافتراء دون علم.
وقسم اطلاع الغيب المحذوف في آية البقرة هذه مذكور في مريم في الدليل المذكور بعينه في رده تعالى بالدليل المذكور على العاص بن وائل (١) في قوله له: {لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}[مريم: ٧٧] فإن الله قال
(١) نزول الآية فيه أخرجه البخاري في التفسير، باب {أَفَرَأَيتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَال لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧)}. حديث رقم (٤٧٣٢) ٨/ ٤٢٩، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم، باب سؤال اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الروح. حديث رقم (٢٧٩٥) ٤/ ٢١٥٣.