للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه. فقال له الشيخ: هلَّا وسعك ما وسعهم؟ فقام الواثق إلى محل خلوته واضطجع وجعل يقول: سبحان الله شيء لم يعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟ سبحان الله شيء علموه ولم يدعوا الناس إليه ألم يسعك ما وسعهم؟ وسقط من عينه ابن أبي دؤاد ولم يمتحن بعد ذلك أحدًا، وأمر بفك القيود عن الشيخ وإعطائه مالًا والإذن له بالانصراف إلى أهله.

وهذه القضية وإن كانت أسانيدها لا تخلو من بعض من لا يُعرف فهي مشهورة عند العلماء متلقاة منهم بالقبول، والاحتجاج بها صحيح لا شك فيه.

ومضمون احتجاج هذا الشيخ على ابن أبي دؤاد هو هذا الدليل العظيم فكأنه يقول: لا يخلو الأمر بالتقسيم الصحيح من أحد أمرين: إما أن يكون النبي وخلفاؤه الراشدون كانوا عالمين بمقالتك هذه، وإما أن يكونوا كانوا جاهلين بها، ثم رجع بالسبر الصحيح إلى القسمين فبين أن ابن أبي دؤاد مرتكب غير الصواب على كل تقدير، فعلى أنهم كانوا عالمين بها ولم يدعوا الناس إليها فله فيهم أُسوة في عدم الدعوة إليها، ولا شك أنه يسعه ما وسعهم، وعلى أنهم كانوا غير عالمين بها فدعواه هو أنه عالم بما لم يعلموا أمرها واضح.

ومن آثار هذا الدليل التاريخية الأدبية: ما ذكروه أن عبد الله بن همام السلولي وشى به واشٍ إلى ابن زياد فدعا ابن زياد ابنَ همام السلولي وقال: ما حملك على أن تقول فيَّ كيت وكيت؟ فقال: أصلح الله الأمير والله ما قلت شيئًا من ذلك! ! فأحظر ابن زياد الواشي وقال: هذا أخبرني أنك قلته. فسكت ابن همام هنيهة ثم قال مخاطبًا للواشي:

<<  <   >  >>