وأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليًا ... فخنت وإما قلت قولًا بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم
فقال ابن زياد: صدقت، وطرد الواشي، ولم يصدر منه سوء للسلولي (١).
والبيتان مضمنان هذا الدليل المذكور، فكأنه يقول: لا تخلو بالتقسيم الصحيح من أحد أمرين: إما يكون ائتمنك على سر فأفشيته، وإما أن تكون قلت ذلك عليه كذبًا وبهتانًا، ورجع بالسبر الصحيح إلى القسمين فوجد الواشي مرتكبًا ما لا ينبغي على كل تقدير؛ لأنه إما خائن لأمانته أو كاذب ذو بهتان.
فإذا عرفت هذا الدليل ورأيت بعض أمثلته في القرآن وبعض آثاره التاريخية، فاعلم أنا نريد الآن أن نوضح به الموقف الطبيعي للإسلام من الحضارة الغربية: اعلم أولًا أن الحضارة الغربية قد دل الاستقراء التام القطعي الصحيح على أن منها ما هو نافع غاية النفع لا غنى عنه للبشر في ميادين الحياة في حالاتها الراهنة وتطوراتها المتتابعة، وذلك ما خدمت به الإنسان من حيث إنه جسد، فقد خدمت الإنسان من ناحية عنصره الجسدي خدمات هائلة ما كانت تدخل في تصور البشر، وتقدمها المادي - في جميع النواحي والميادين - والتنظيمي أظهر من أن يحتاج إلى التنويه عنه، ومنها ما هو ضار غاية الضرر وهو عام بجميع اتجاهاتها الروحية، وهي غنية من جهة الناحية المادية مفلسة من