لِلْمُدَوَّنَةِ، وَبِ " أُوِّلَ " إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا فِي فَهْمِهَا وَبِ الِاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ لَكِنْ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ شَامِلٌ لِضَمِيرِ نَحْوِ حَمَّلْت وَأَوَّلْت وَقَيَّدْت وَظَاهِرُهَا وَأُقِيمُ مِنْهَا، وَصِلَةُ " مُشِيرًا " (لِلْمُدَوَّنَةِ) أَيْ الْمَسَائِلِ الَّتِي دَوَّنَهَا قَاضِي الْقَيْرَوَانِ أَسَدُ بْنُ الْفُرَاتِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَتُسَمَّى الْأَسَدِيَّةَ وَالْمُخْتَلِطَةَ، وَتَلَطَّفَ سَحْنُونٌ بِابْنِ الْفُرَاتِ حَتَّى أَخَذَهَا مِنْهُ، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَهَذَّبَهَا وَنَقَّحَهَا وَرَتَّبَهَا وَاخْتَصَرَهَا الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرَادِعِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ، أَوْ الْمُعْجَمَةِ وَسَمَّاهُ التَّهْذِيبَ وَاشْتُهِرَ بِاسْمِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِهَا وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ.
(وَ) مُشِيرًا (بِ أُوِّلَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدًا أَيْ بِمَادَّتِهِ لِيَشْمَلَ " تَأْوِيلَانِ " وَ " تَأْوِيلَاتٌ " وَ " أَوَّلْت " (إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ شَارِحٍ سَقَطَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ، وَالْمُرَادُ شَارِحُ مَحَلِّ الْخِلَافِ شَرَحَ بَاقِيَهَا أَوْ لَا، وَصِلَةُ اخْتِلَافٍ (فِي فَهْمِهَا) أَيْ الْمُرَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَصْلُ التَّأْوِيلِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ إبْقَاءَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَتَصِيرُ مَفْهُومَاتُهُمْ مِنْهَا أَقْوَالًا فِي الْمَذْهَبِ يُعْمَلُ وَيُفْتَى وَيُقْضَى بِأَيِّهَا إنْ اسْتَوَتْ، وَإِلَّا فَبِالرَّاجِحِ، أَوْ الْأَرْجَحِ وَسَوَاءٌ وَافَقَتْ أَقْوَالًا سَابِقَةً عَلَيْهَا مَنْصُوصَةً لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ أَمْ لَا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ. فَإِنْ قِيلَ الْمُدَوَّنَةُ لَيْسَتْ قُرْآنًا وَلَا أَحَادِيثَ صَحِيحَةً فَكَيْفَ تُسْتَنْبَطُ الْأَحْكَامُ مِنْهَا قِيلَ: إنَّهَا كَلَامُ أَئِمَّةٍ مُجْتَهِدِينَ عَالِمِينَ بِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَالْعَرَبِيَّةِ مُبَيِّنِينَ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَمَدْلُولُ كَلَامِهِمْ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَلَّدَهُمْ مَنْطُوقًا كَانَ، أَوْ مَفْهُومًا، صَرِيحًا كَانَ أَوْ إشَارَةً فَكَلَامُهُمْ بِالنِّسْبَةِ لَهُ كَالْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ.
(وَ) مُشِيرًا (بِالِاخْتِيَارِ) أَيْ مَادَّتِهِ كَانَتْ بِصِيغَةِ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ (لِ) اخْتِيَارِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ (اللَّخْمِيِّ) لَكِنْ إنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ (بِصِيغَةِ الْفِعْلِ) كَ اخْتَارَ (فَذَلِكَ) أَيْ الِاخْتِيَارُ إشَارَةٌ (لِاخْتِيَارِهِ) أَيْ اللَّخْمِيِّ (هُوَ) تَوْكِيدٌ لِلْهَاءِ (فِي نَفْسِهِ) أَيْ بِاجْتِهَادِهِ وَاسْتِنْبَاطِهِ مِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ لَا مِنْ أَقْوَالٍ سَابِقَةٍ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute