بَاب
ــ
[منح الجليل]
بَابٌ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ
الْبِسَاطِيُّ هَذَا بَابٌ مُتَّسَعٌ، فَيَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ مِنْ الْخَمْسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ. ابْنُ عَرَفَةَ نَقَلَ الْأُصُولِيُّونَ إجْمَاعَ الْمِلَلِ عَلَى وُجُوبِ حِفْظِ الْأَدْيَانِ وَالنُّفُوسِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْأَنْسَابَ بَدَلَ الْأَمْوَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَفِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَعَدَمِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
ابْنُ رُشْدٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ عَمْدًا عُدْوَانًا وَإِنْفَاذُ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَأَنَّ الْوَعِيدَ لَا حِقٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ فِي الْمَشِيئَةِ، وَأَنَّ تَوْبَتَهُ مَقْبُولَةٌ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ أَبَدًا، فَقَدْ أَخْطَأَ وَخَالَفَ السُّنَّةَ، لِأَنَّ قَتْلَهُ لَا يُحْبِطُ إيمَانَهُ، وَلَا صَالِحَ أَعْمَالِهِ، لِأَنَّ السَّيِّئَاتِ لَا تُبْطِلُ الْحَسَنَاتِ وَأُخِذَ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ أَمْرٌ بَاطِنٌ، وَمُوجِبَ نَصْبِ الْإِمَامَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ إمَامَتِهِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَنَصُّهُ ابْنُ رُشْدٍ عَمْدُ قَتْلِ الْمُسْلِمِ عُدْوَانًا كَبِيرَةٌ لَيْسَ بَعْدَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَفِي قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْهُ وَإِنْفَاذِ وَعِيدِهِ مَذْهَبَا الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ مَالِكٌ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لِقَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ.
قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ لِعَدَمِ رَفْعِ سَابِقِ جُرْأَتِهِ وَقَبُولُ التَّوْبَةِ أَمْرٌ بَاطِنٌ، وَمُوجِبُ نَصْبِ الْإِمَامِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، وَأُخِذَ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لِيَكْثُرَ الْعَمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute