للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ أَتْلَفَ

ــ

[منح الجليل]

الصَّالِحُ وَالصَّدَقَةُ وَالْجِهَادُ وَالْحَجُّ فِي سَمَاعِ عِيسَى قَوْلَ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لِيَكْثُرَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالصَّدَقَةُ وَالْجِهَادُ، وَيَلْزَمُ الثُّفُورُ مَنْ تَعَذَّرَ مِنْهُ الْقَوَدُ دَلِيلُ رَجَائِهِ قَبُولَ تَوْبَتِهِ خِلَافَ قَوْلِهِ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ وَالْقَوْلُ بِتَخْلِيدِهِ خِلَافَ السُّنَّةِ، وَمِنْ تَوْبَتِهِ عَرْضُ نَفْسِهِ عَلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ قَوَدًا أَوْ دِيَةً، وَإِنْ فَعَلَ الْقَاتِلُ عَمْدًا عُدْوَانًا قِصَاصًا فَقِيلَ قَتْلُهُ كَفَّارَةٌ لَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» ، وَقِيلَ لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ لَا يَنْتَفِعُ بِقَتْلِ قَاتِلِهِ، وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُ لِلْأَحْيَاءِ زَجْرًا وَتَشَفِّيًا، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةُ.

(فَائِدَتَانِ)

الْأُولَى: سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] ، بِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ بَيْنَ الْمُتَقَارِبَيْنِ جِدًّا وَقَتْلُ جَمِيعِ النَّاسِ بَعِيدٌ جِدًّا مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ وَكَذَلِكَ الْإِحْيَاءُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ إمَامٌ مُسْقِطٌ أَوْ حَاكِمٌ عَدْلٌ أَوْ وَلِيٌّ تُرْجَى بَرَكَتُهُ الْعَامَّةُ، أَوْ عَالِمٌ شَرْعِيٌّ يَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ بِعِلْمِهِ أَوْ نَبِيٌّ أَوْ رَسُولٌ فَلِعُمُومِ مَفْسَدَةِ قَتْلِهِ كَانَ قَتْلُهُ كَقَتْلِ كُلِّ مَنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَهُمْ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ جَمِيعًا.

الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] ، قِيلَ الْخِطَابُ فِيهِ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا اقْتَصُّوا فَقَدْ سَلَّمُوا وَحَيَّوْا بِدَفْعِ شَرِّ الْقَاتِلِ عَنْهُمْ الَّذِي صَارَ عَدُوُّهُمْ.

وَقِيلَ لِلْقَاتِلِينَ لِأَنَّهُمْ إذَا اُقْتُصَّ مِنْهُمْ مُحِيَ الْإِثْمُ عَنْهُمْ فَيَحْيَوْنَ حَيَاةً مَعْنَوِيَّةً. وَقِيلَ لِلنَّاسِ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْأَصْلُ وَلَكُمْ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْقِصَاصِ حَيَاةٌ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ يَكُفُّ نَفْسَهُ عَنْ الْقَتْلِ فَيَحْيَا هُوَ وَمَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ. وَقِيلَ لَا حَذْفَ وَالْقِصَاصُ نَفْسُهُ فِيهِ الْحِيَازَةُ لِلْجَانِي بِسَلَامَتِهِ مِنْ الْإِثْمِ وَلِغَيْرِهِ بِدَفْعِ شَرِّ الْجَانِي وَالْقِصَاصُ إمَّا مِنْ نَفْسٍ وَإِمَّا مِنْ طَرَفٍ.

وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ الْقَاتِلُ، وَالْمَقْتُولُ وَالْقَتْلُ وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْقَاتِلِ فَقَالَ (إنْ أَتْلَفَ) وَلَمْ يَقُلْ قَتَلَ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَشْمَلُ الْمُبَاشَرَةَ وَالتَّسَبُّبَ وَالْقَتْلَ يَتَبَادَرُ مِنْهُ خُصُوصُ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ قَالَهُ الْحَطّ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>