وَأُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا لِمُتَصَدِّقٍ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالْجَمِيعُ،
ــ
[منح الجليل]
الرِّبَاطِ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ جَعَلَ شَيْئًا فِي السَّبِيلِ لَا يَجْعَلُهُ فِي جُدَّةَ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ الَّذِي كَانَ بِهَا قَدْ ذَهَبَ. اهـ. وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَهُ الْحَطّ وَالْمَوَّاقُ.
قُلْتُ قَدْ عَادَ الْخَوْفُ الْآنَ أَشَدَّ مِمَّا كَانَ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُقَامَ بِمَحَلٍّ خِيفَ رِبَاطٌ وَإِنْ كَانَ بِالْأَهْلِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَاجِيَّ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ بِرِبَاطٍ.
(وَأَنْفَقَ) مُخْرِجٌ ثُلُثَ مَالِهِ فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ (عَلَيْهِ) أَيْ الثُّلُثَ الَّذِي لَزِمَهُ بِقَوْلِهِ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الثُّلُثَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لَهُ لَا مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ اتِّفَاقًا. وَفَرَّقَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مَالِي إخْرَاجُ جَمِيعِهِ فَلَمَّا خُفِّفَ عَنْهُ بِالثُّلُثِ وَجَبَ إخْرَاجُ جَمِيعِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ ثُلُثِ مَالِي. وَاسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ لُزُومِ الثُّلُثِ بِمَالِي فِي كَسَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ (إلَّا لِتَصَدُّقٍ بِهِ) أَيْ مَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ (عَلَى مُعَيَّنٍ) بِشَخْصِهِ كَزَيْدٍ أَوْ وَصْفِهِ كَبَنِي زَيْدٍ (فَ) يَلْزَمُهُ (الْجَمِيعُ) حِينَ حَلَفَ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَالْبَاقِي وَيَتْرُكُ مَا يُتْرَكُ لِمُفْلِسٍ. ابْنُ غَازِيٍّ الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ لِلْمَالِ، وَهَذَا الْفَرْعُ فِي النَّوَادِرِ وَالنُّكَتِ، وَلَهُمَا عَزَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَتَصَدُّقٍ بِهِ بِالْكَافِ فَيَدْخُلَ تَحْتَهَا مَنْ نَذَرَ صَدَقَةَ مَالِهِ فَظَنَّ لُزُومَ جَمِيعِهِ فَأَخْرَجَهُ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِي ثُلُثَيْهِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ بِيَدِ غَيْرِهِ فَهُوَ شَبِيهُ التَّصَدُّقِ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَهَذَا الْفَرْعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي مَشَاهِيرِ الْكُتُبِ فَعَلَيْهِ حَمَلَ ابْنُ رَاشِدٍ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَلَوْ أَخْرَجَهُ فَفِي مُضِيِّهِ قَوْلَانِ، وَعَضَّدَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ. اهـ. وَلَفْظُ ابْنِ بَشِيرٍ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ هَلْ يَمْضِي فِعْلُهُ أَمْ لَا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ إذَا أَخْرَجَ جَمِيعَهُ هَلْ يَمْضِي فِعْلُهُ أَمْ لَا، وَحَمَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ، وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَيْسَ هَذَا شِبْهَ الْمُعَيَّنِ فِي الصُّورَةِ فَلَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْكَافِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute