وَفِي لُزُومِ الْجَمِيعِ بِمَشْيِ عَقَبَةٍ وَرُكُوبِ أُخْرَى تَأْوِيلَانِ،
ــ
[منح الجليل]
قُلْت نَصَّ عَلَى لُزُومِ الْهَدْيِ فِيهِمَا مَعًا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْبَيَانِ، أَمَّا الْفَرْعُ الْأَوَّلُ فَذَكَرَ فِيهِ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْحَجِّ الْأَوَّلِ، وَنَصُّهُ وَأَمَّا إنْ كَثُرَ وَلَمْ يَكُنْ جُلَّ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ ثَانِيَةً لِيَمْشِيَ مَا رَكِبَ بِاتِّفَاقٍ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ قَرِيبًا كَالْمَدِينَةِ. وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ بَعِيدًا كَمِصْرِ، فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَرْجِعُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُزَيْنٍ لَا يَرْجِعُ.
وَأَمَّا إنْ بَعُدَ مَوْضِعُهُ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَيُجْزِيَهُ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ مِنْ نَحْوِ الْأَنْدَلُسِ أَشَقُّ مِنْ الرُّجُوعِ مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الَّذِي رَكِبَ جُلَّ الطَّرِيقِ فَمَا قَرُبَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ ثَانِيَةً رَوَاهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمَبْسُوطَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّانِي فَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَيْضًا وَإِجْزَاءِ التَّفْرِيقِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ الَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ.
وَفِي التَّوْضِيحِ صَوَّبَ ابْنُ رُشْدٍ الْإِجْزَاءَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَهُ قَائِلًا؛ لِأَنَّ عُرْفَ النَّاسِ فِي السَّيْرِ إلَى مَكَّةَ تَوَالِيهِ وَعَدَمُ تَفْرِيقِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَاقْتَصَرَ هُنَا عَلَى الْإِحْزَاءِ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ رَأَى اللَّخْمِيُّ أَنَّ الْإِجْزَاءَ هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا غَيْرَ مُتَتَابِعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَشَارَ لِلتَّفْرِيقِ بِالرُّكُوبِ فَقَالَ (وَفِي لُزُومِ) مَشْيِ (الْجَمِيعِ) عِنْدَ رُجُوعِهِ لِبُطْلَانِ مَشْيِهِ (بِمَشْيِ عُقْبَةٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ (وَرُكُوبِ) عُقْبَةٍ (أُخْرَى) لِحُصُولِ الرَّاحَةِ التَّامَّةِ لَهُ بِمُعَادَلَةِ رُكُوبِهِ لِمَشْيِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمْشِ أَصْلًا وَعَدَمُ لُزُومِ مَشْيَ الْجَمِيعِ بَلْ يَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ فَقَطْ (تَأْوِيلَانِ) سَبَبُهُمَا قَوْلُهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ ثَانِيَةً وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ. اهـ. وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ مَا رَكِبَ مُتَنَاصِفًا مِثْلُ أَنْ يَمْشِيَ عُقْبَةً وَيَرْكَبَ أُخْرَى فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهَا. اهـ. فَجَعَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ تَقْيِيدًا لِلْمُدَوَّنَةِ حَمْلًا لِكَلَامِهَا عَلَى مَنْ رَكِبَ دُونَ النِّصْفِ، وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute