الْأَوَّلَ حَرُمَ قِتَالُهُ مَعَ الْإِهَانَةِ عِنْدَ أَخْذِهَا
ــ
[منح الجليل]
الْأَوَّلَ) أَيْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا بَعْدَ وُقُوعِ الصُّلْحِ مُطْلَقًا وَجَبَ قَبُولُهُ مِنْهُ وَ (حَرُمَ) رَدُّهُ عَلَيْهِ وَ (قِتَالُهُ) ابْنُ رُشْدٍ نَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْجِزْيَةَ الصُّلْحِيَّةَ لَا حَدَّ لَهَا إلَّا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ، أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلَّ مَا يَلْزَمُ أَهْلَ الْحَرْبِ الرِّضَا بِهِ لِأَنَّهُمْ مَالِكُونَ لِأَمْرِهِمْ وَإِنَّ لِأَقَلِّهَا حَدًّا إذَا بَذَلُوهُ لَزِمَ الْإِمَامَ قَبُولُهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ حَدًّا.
وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدِي أَقَلُّهَا مَا فَرَضَ عُمَرُ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " عَلَى أَهْلِ الْعَنْوَةِ فَإِذَا بَذَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوهُ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ لَزِمَ الْإِمَامَ قَبُولُهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ، وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ فِي الصُّلْحِ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ. اهـ. فَقَدْ خَالَفَ ابْنُ رُشْدٍ ابْنَ حَبِيبٍ فِي قَوْلِهِ لَا حَدَّ لَهَا إلَّا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ إذْ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ إذَا بَذَلُوا لَهُ قَدْرَ الْعَنْوِيَّةِ فَلَهُ أَنْ لَا يُصَالِحَهُمْ، وَعِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ يَلْزَمُهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قِتَالُهُمْ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ إنْ بَذَلَ الْأَوَّلَ إلَخْ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الصَّوَابَ تَعْلِيقُ قَوْلِهِ مَعَ الْإِهَانَةِ بِبَذْلٍ لِيُحْرَزَ قَيْدُ ابْنُ رُشْدٍ، وَلَا يُقَالُ دَرَجَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ كَمَا قِيلَ إذْ عَادَتُهُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَقُولَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ يُمْكِنُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ وَإِنْ قَالَ فِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الرَّمَاصِيُّ وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ تت تَنْكِيتُ إتْيَانِهِ بِصِيغَةِ الِاسْمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ غَيْرُ بَيِّنٍ (مَعَ الْإِهَانَةِ) لَهُمْ (عِنْدَ أَخْذِهَا) مِنْهُمْ بِالْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّقِ وَالرِّفْقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة: ٢٩] أَيْ اسْتِعْلَاءً مِنْكُمْ عَلَيْهِمْ أَوْ نَقْدًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا يُرْسِلُونَ بِهَا {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] مَاشُونَ كَارِهُونَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَلْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَذْمُومُونَ غَيْرُ مَحْمُودِينَ وَلَا مَأْجُورِينَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَدَّاهَا صُفِعَ عَلَى قَفَاهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا وَمِنْ كَلَامِهِمْ عَدَمُ قَبُولِهَا مِنْ نَائِبٍ إذْ الْمَقْصُودُ حُصُولُ الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute