للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ خَرَجَ لِدَارِ الْحَرْبِ وَأُخِذَ: اُسْتُرِقَّ؛

ــ

[منح الجليل]

الْبُنَانِيُّ أَمَّا وُجُوبُ الْقَتْلِ فِي السَّبِّ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الرِّسَالَةِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَحَكَى عَلَيْهِ عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ الِاتِّفَاقَ، وَأَمَّا فِي غَصْبِ الْمُسْلِمَةِ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ، إلَّا إنَّهُمَا عَلَّلَا وُجُوبَ قَتْلِهِ بِالنَّقْضِ وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ لِلْأَصْلِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا نَصُّ ابْنِ شَاسٍ وَبَاعَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ بِتُونُسَ وَلَدًا مُسْلِمًا لِأَهْلِ الْحَرْبِ النَّازِلِينَ بِهَا بِأَمَانٍ لِلتِّجَارَةِ فَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِصَلْبِهِ وَقَتْلِهِ، وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِنَقْضِ عَهْدِهِ، وَنَظَرَ الْإِمَام فِيهِ بِرَأْيِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ السَّبِّ يُوجِبُ الرُّجُوعَ لِلْأَصْلِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَإِنْ خَرَجَ) الذِّمِّيُّ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ (لِدَارِ الْحَرْبِ) نَاقِضًا الْعَهْدَ بِخُرُوجِهِ (وَأُخِذَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَسَرَهُ الْمُسْلِمُونَ (اُسْتُرِقَّ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَشَدِّ الْقَافِ أَيْ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ وَفِي بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْأَسِيرِ لِرَدِّ قَوْلِ أَشْهَبَ لَا يُسْتَرَقُّ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَصِيرُ رِقًّا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ بِإِعْتَاقِ مِنْ رَقٍّ سَابِقٍ حَتَّى لَا تُنْقَضَ وَإِنَّمَا تُرِكُوا عَلَى حَالِهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا آمَنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْمُسْلِمِينَ بِمَا بَذَلُوهُ، فَلَمَّا امْتَنَعُوا وَخَرَجُوا لِدَارِ الْحَرْبِ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ الرُّجُوعُ. ابْنُ رُشْدٍ اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى اتِّبَاعِ قَوْلِهِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ وَمَنَعُوا الْجِزْيَةَ وَخَرَجُوا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ حَرْبًا وَعَدُوًّا يُسْبَوْنَ وَيُقْتَلُونَ إلَّا أَشْهَبُ قَائِلًا لَا يَعُودُ الْحُرُّ إلَى الرِّقِّ، وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ مَعَهُ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ مِنْ قَوْلِ أَشْهَبَ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ بِإِعْتَاقِ مِنْ رَقٍّ مُتَقَدِّمٍ فَلَا يُنْقَضُ، وَإِنَّمَا تُرِكُوا عَلَى حَالِهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا آمَنِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَدِمَائِهِمْ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا بَذَلُوهُ مِنْ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، فَإِذَا مَنَعُوا لَمْ يَصِحَّ الْعِوَضُ وَكَانَ لِلْمُسْلِمِينَ الرُّجُوعُ فِيهِ وَذَلِكَ أَيْضًا كَالصُّلْحِ يَنْعَقِدُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى شُرُوطٍ، فَإِذَا لَمْ يُوفُوا بِهَا انْتَقَضَ الصُّلْحُ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>