وَخَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَالْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ وَنِدَائِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجْرَةِ
ــ
[منح الجليل]
مِنْهُ، أَوْ لَا تُعْطِ عَطِيَّةً مُسْتَكْثِرًا لَهَا بِأَنْ تَعُدَّهَا كَثِيرَةً أَيْ لَا تَسْتَكْثِرْ مَا تَمُنُّ بِهِ أَقْوَالٌ. (وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ) أَيْ إظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي ضَمِيرِهِ، فَشُبِّهَ بِالْخِيَانَةِ فِي الْإِخْفَاءِ أَوْ الِانْخِدَاعِ عَمَّا وَجَبَ وَالْأَوَّلُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ الْحُرُوبِ، وَحَدِيثُ «إنَّا لَنَبَشُّ فِي وُجُوهِ قَوْمٍ وَقُلُوبُنَا تَلْعَنُهُمْ» مِنْ قَبِيلِ الْحَرْبِ مَعْنَى وَنَبَشُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَقَدْ أُبِيحَ لَهُ إذَا أَرَادَ سَفَرَ الْغَزْوِ التَّوْرِيَةُ بِغَيْرِهِ حَذَرًا مِنْ إفْسَادِ الْمُنَافِقِينَ، فَكَانَ يَسْأَلُ عَنْ حَالِ جِهَةِ غَيْرِ الَّتِي أَرَادَ غَزْوَهَا لِيُخْفِيَ عَنْهُمْ الَّتِي أَرَادَهَا حَتَّى لَا يَتَمَكَّنُوا مِنْ إفْسَادِ مَا نَوَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (الْحُكْمِ بَيْنَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١] .
(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَيْهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} [الحجرات: ٢] وَيَحْرُمُ رَفْعُ الصَّوْتِ عَلَى حَدِيثِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا فَإِذَا قُرِئَ كَلَامُهُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرِضُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: ٢٠٤] الْآيَةَ وَكَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْوَحْيِ وَلَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ مِثْلُ مَا لِلْقُرْآنِ إلَّا فِي مَعَانٍ مُسْتَثْنَاةٍ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَعِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ. وَقِيَامُ قَارِئِ حَدِيثِهِ لِأَحَدٍ وَقِيلَ تُكْتَبُ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ.
(وَ) خُصَّ بِحُرْمَةِ (نِدَائِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ وَرَاءِ) أَيْ خَلْفِ (الْحُجْرَةِ) أَيْ الْمَحَلِّ الْمُحْتَجِبِ بِهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ بِحَائِطٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَحْتَجِبُ فِي شُغْلِهِ الْمُهِمِّ فَحَرُمَ إزْعَاجُهُ وَقَطْعُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ، وَهَذَا يُقَيِّدُ أَنَّ نِدَاءَهُ مِنْ وَرَائِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يَحْرُمُ كَأَنْ يُنَادِيَهُ مَنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِنِدَائِهِ إزْعَاجٌ كَخَادِمِهِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: ٤] {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [الحجرات: ٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute