إلَّا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ مَعْرِفَتِهَا
ــ
[منح الجليل]
الثَّالِثُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَيْسَ إكْرَاهًا كَشُرْبِ خَمْرٍ، وَأَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ، وَسُجُودٍ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَزِنًا بِطَائِعَةٍ أَوْ مُكْرَهَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَخْلُوقٍ وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مَخْلُوقٍ كَقَتْلٍ وَغَصْبٍ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَيْهِ غَيْرُ نَافِعٍ، زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَنَّ الْمَفَاسِدَ لَا تُحَقَّقُ فِي الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ مُعَظِّمٌ لِرَبِّهِ بِقَلْبِهِ، وَالْأَلْفَاظُ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّ الْمَفَاسِدَ مُتَحَقِّقَةٌ فِيهَا. وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْقَوْلَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْمَعَانِي وَلَا الذَّوَاتِ، بِخِلَافِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ مُؤَثِّرٌ وَاَلَّذِي فِي نِكَاحِهَا الثَّالِثُ قَوْلُهُ فِي الْأَسِيرَانِ ثَبَتَ إكْرَاهُهُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي جَامِعِ الطُّرَرِ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ كَمَا أَقَامَهُ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَقَدْ أُكْرِهَ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا، وَقَبِلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَأَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الضَّرْبَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى وَلَوْ بِنَوْعِ تَجَوُّزٍ أَوْ تَغْلِيبٍ، وَرُبَّمَا يُسْتَرْوَحُ مِنْ كَلَامِنَا عَلَى الْأَلْفَاظِ بَعْدَ هَذَا مَا يَزِيدُك بَيَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى أَسْتَعِينُ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ فَقَالَ لَا يَحْنَثُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْقَوْلِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَتْرُكَ) الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْقَوْلِ (التَّوْرِيَةَ) أَصْلُهَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْبَعِيدِ لِقَرِينَةٍ، كَقَوْلِهِ طَالِقٌ مُرِيدًا مِنْ وِثَاقٍ أَوْ وَجَعٍ بِالطَّلْقِ قُرْبَ وَضْعِ الْحَمْلِ. وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُخَلَّصُ سَوَاءٌ كَانَ بِهَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ جَوْزَتِي طَالِقٌ مَرِيدًا: جَوْزَةَ حَلْقِهِ خَالِيَةً مِنْ لُقْمَةٍ مَثَلًا (مَعَ مَعْرِفَتِهَا) أَيْ اسْتِحْضَارِهَا لِعَدَمِ دَهْشَتِهِ بِالْإِكْرَاهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ تَرَكَهَا مَعَ مَعْرِفَتِهَا. تت لَوْ قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ فِي فِعْلٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْقَوْلِ لَكَانَ أَوْضَحَ، لِأَنَّ التَّوْرِيَةَ لَا تَكُونُ فِي الْفِعْلِ.
" غ " لَا مِرْيَةَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ لِلْقَوْلِ كَقَوْلِ الْمُكْرَهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَيُرِيدُ مِنْ وِثَاقٍ أَوْ رَجْعَةٍ بِالطَّلْقِ. وَأَمَّا الْفِعْلُ بِضَرْبَيْهِ فَلَا تُمْكِنُ التَّوْرِيَةُ فِيهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute