للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا أُمِّي، وَيَا أُخْتِي

وَلَزِمَ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ

ــ

[منح الجليل]

لِزَوْجَتِهِ (يَا أُمِّي وَيَا أُخْتِي) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَمِثْلُهُ يَا بُنَيَّتِي أَوْ عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَوْلُهُ يَا أُمَّهُ أَوْ يَا أُخَيَّتَهُ أَوْ يَا عَمَّتَهُ أَوْ يَا خَالَتَهُ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ السَّفَهِ. قُلْت كَوْنُهُ مِنْهُ دَلِيلُ حُرْمَتِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخَيَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأُخْتُك هِيَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ» ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلُ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي زَوْجَتِهِ سَارَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - إنَّهَا أُخْتِي لِأَنَّهُ قَالَهُ لِضَرُورَةٍ دَعَتْهُ إلَيْهِ، وَأَرَادَ أُخْتَهُ فِي الدِّينِ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ إذْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَبَا تَمِيمَةَ تَابِعِيٌّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْهُ عَمَّنْ فَوْقَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ.

(وَلَزِمَ) الطَّلَاقُ (بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ يُفْهَمَ مِنْهَا التَّطْلِيقُ، بِأَنْ صَاحَبَهَا قَرِينَةٌ يَقْطَعُ مَنْ عَايَنَهَا بِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْهُ الزَّوْجَةُ مِنْهَا وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى النُّطْقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهِيَ كَاللَّفْظِ الصَّرِيحِ فِي عَدَمِ الِافْتِقَارِ لِنِيَّةٍ، وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّخْصِيصِ لِقَوْلِهِ وَلَفْظٌ وَغَيْرُ الْمُفْهِمَةِ لَا يَلْزَمُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَوْ قَصَدَهُ لِأَنَّهَا فِعْلٌ إلَّا لِعُرْفٍ جَارٍ بِالتَّطْلِيقِ بِهَا. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا مَا عُلِمَ مِنْ الْأَخْرَسِ بِإِشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَذْفٍ لَزِمَهُ حُكْمُ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ. وَرَوَى الْبَاجِيَّ إشَارَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِالطَّلَاقِ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ كَلَفْظِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: ٤١] قُلْت إنْ قُلْت يَحْسُنُ هَذَا دَلِيلًا لِلْأَخْرَسِ لِأَنَّهُ آيَةٌ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَكَانَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَلَامِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ وَقِيَاسُ السَّلِيمِ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ.

ابْنُ شَاسٍ الْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ بِالطَّلَاقِ هِيَ مِنْ الْأَخْرَسِ كَالصَّرِيحِ، وَمِنْ الْقَادِرِ كَالْكِنَايَةِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْفِعْلَ لَا دَلَالَةَ لَهُ مِنْ ذَاتِهِ إلَّا مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِنِ. فَإِنْ أَفَادَتْ الْقَطْعَ كَانَتْ كَالصَّرِيحِ كَانَتْ مِنْ أَخْرَسَ، أَوْ قَادِرٍ وَإِلَّا فَهِيَ كَالْكِنَايَةِ مِنْهُمَا. قُلْت ظَاهِرُ نَقْلِ الْبَاجِيَّ أَنَّهُمَا مِنْهُمَا سَوَاءٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>