أَنْ يَضِيعَ فَلْيُوَارِهِ
وَالصَّلَاةُ أَحَبُّ مِنْ النَّفْلِ إذَا قَامَ بِهَا الْغَيْرُ إنْ كَانَ كَجَارٍ أَوْ صَالِحًا.
ــ
[منح الجليل]
أَنْ يَخَافَ الْمُسْلِمُ عَلَى أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ الْكَافِرِ (أَنْ يَضِيعَ) أَيْ يَجِيفَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَتَأْكُلَهُ الْكِلَابُ مَثَلًا (فَلْيُوَارِهِ) أَيْ يَدْفِنُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ أَوْ غَيْرَهُ الْكَافِرَ وُجُوبًا، وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ قِبْلَتَنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا قِبْلَتَهُمْ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا فَلَا يَقْصِدُ جِهَةً مَخْصُوصَةً.
(وَالصَّلَاةُ) عَلَى الْمَيِّتِ (أَحَبُّ) أَيْ أَفْضَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (مِنْ) صَلَاةِ (النَّفْلِ إذَا قَامَ بِهَا الْغَيْرُ) ، وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ، وَكَوْنُهَا أَحَبَّ مِنْهُ (إنْ كَانَ) الْمَيِّتُ (كَجَارٍ) لِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ قَرِينَهُ وَصَدِيقَهُ. (أَوْ) كَانَ الْمَيِّتُ (صَالِحًا) تُرْجَى بَرَكَتُهُ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْت مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ إلَيْك الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ شُهُودُ الْجَنَائِزِ، قَالَ بَلْ الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ أَعْجَبُ إلَيَّ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ أَحَدٍ تُرْجَى بَرَكَةُ شُهُودِهِ لِزَيْدٍ بِهِ فِي فَضِيلَةٍ فَيَحْضُرُهُ. ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهَذَا فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ. ابْنُ رُشْدٍ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، إلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّوَافِلِ وَالْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ شُهُودِ الْجِنَازَةِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، فَمَاتَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَقَامَ النَّاسُ لِجِنَازَتِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ فَقِيلَ لَهُ أَلَا تَشْهَدُ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ مِنْ بَيْتِ الصَّالِحِ، فَقَالَ لَأَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْهَدَ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ، وَخَرَجَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَاتَّبَعَهُ وَقَالَ شُهُودُ الْجَنَائِزِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ جُمْلَةً أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَتَفْصِيلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ عَيْنُ الْفِقْهِ إذْ إنَّمَا يُرَغِّبُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ يُعْرَفُ بِالْخَيْرِ وَتُرْجَى بَرَكَةُ شُهُودِهِ، فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَوْ كَانَ لَهُ حَقٌّ مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ فَشُهُودُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِمَا يَتَعَيَّنُ مِنْ حَقِّ الْجِوَارِ وَالْقَرَابَةِ، وَلِمَا فِي شُهُودِ الْجِنَازَةِ مِنْ الْفَضْلِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ مَا يَعْمَلُ الْمَرْءُ فِي يَوْمِهِ شُهُودُ جِنَازَةٍ» . اهـ. وَفِي الْمَدْخَلِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَوْلَى مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الْجِنَازَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute