للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

الْمَقَالِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: فَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعِتْقِهَا حَتَّى سَأَلَهَا أَيْنَ اللَّهُ فَقَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهَا مَنْ أَنَا قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ، وَقَوْلُهَا فِي " فِي السَّمَاءِ " أَيْ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ الْمَعْنَوِيِّ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْنَ اللَّهُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُسْأَلُ عَنْهُ بِأَيْنَ وَلَهُ تَأْوِيلَاتٌ.

وَلِأَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ عَلَيْهِ كَلَامٌ حَسَنٌ مِنْهُ السُّؤَالُ بِأَيْنَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، اثْنَانِ جَائِزَانِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَوَاحِدٌ لَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ: السُّؤَالُ بِقَصْدِ اخْتِبَارِ الْمَسْئُولِ لِمَعْرِفَةِ عِلْمِهِ وَإِيمَانِهِ كَسُؤَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَمَةَ.

الثَّانِي: السُّؤَالُ عَنْ مُسْتَقَرِّ مَلَكُوتِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَوْضِعِ سُلْطَانِهِ كَعَرْشِهِ وَكُرْسِيِّهِ وَمَلَائِكَتِهِ، كَسُؤَالِ الْقَائِلِ لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ خَلْقِهِ الْعَالَمَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ» .

فَهَذَا السُّؤَالُ فِيهِ حَذْفٌ، وَإِنَّمَا سَأَلَ عَنْ مُسْتَقَرِّ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ خَلْقِهِ وَالْعَمَاءُ هُوَ السَّحَابُ. وَإِذَا جَازَ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ إذَايَةِ أَوْلِيَائِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: ٣٣] وَيُؤْذُونَ اللَّهَ، جَازَ أَنْ يُعَبَّرَ بِاسْمِهِ عَنْ مَلَائِكَتِهِ وَعَرْشِهِ وَسُلْطَانِهِ وَمِلْكِهِ قُلْت هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ. . . الْحَدِيثَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: الْعَمَاءُ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ اهـ وَهَذَا يُغْنِي عَنْ تَأْوِيلِ السُّهَيْلِيِّ.

ثُمَّ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَالثَّالِثُ: السُّؤَالُ بِأَيْنَ عَنْ ذَاتِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَهَذَا سُؤَالٌ لَا يَجُوزُ وَهُوَ سُؤَالٌ فَاسِدٌ لَا يُجَابُ عَنْهُ سَائِلُهُ، وَإِنَّمَا سَبِيلُ الْمَسْئُولِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ فَسَادَ السُّؤَالِ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ حِين قِيلَ لَهُ: أَيْنَ اللَّهُ الَّذِي أَيْنَ الْأَيْنُ لَا يُقَالُ فِيهِ أَيْنَ؟ فَبَيَّنَ لِلسَّائِلِ فَسَادَ سُؤَالِهِ بِأَنَّ الْأَيْنِيَّةَ مَخْلُوقَةٌ، وَاَلَّذِي خَلَقَهَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ خَلْقِهَا لَا مَحَالَةَ، وَلَا أَيْنِيَّةَ لَهُ، وَصِفَاتُهُ تَعَالَى لَا تَتَغَيَّرُ فَهُوَ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ الْأَيْنِيَّةَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِهَا. وَإِنَّمَا مَثَلُ هَذَا السُّؤَالِ كَمَثَلِ مَنْ سَأَلَ عَنْ لَوْنِ الْعِلْمِ أَوْ عَنْ طَعْمِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ، فَيُقَالُ مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ ثُمَّ سَأَلَ هَذَا السُّؤَالَ فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّ اللَّوْنَ وَالطَّعْمَ مِنْ صِفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>