وَتُصُدِّقَ بِمَا غُشَّ
ــ
[منح الجليل]
ظَهَرَ مَا قَالَهُ الْبَدْرُ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمِعْيَارِ أَنَّ ابْنَ لُبٍّ سُئِلَ عَنْ النَّازِلَةِ نَفْسِهَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْمُمَاطَلَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُمَاطِلِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي الْإِثْمِ بُنَانِيٌّ.
(وَتُصُدِّقَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُثْقَلَةً جَوَازًا (بِمَا غُشَّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الشِّينِ، أَيْ أُحْدِثَ فِيهِ الْغِشُّ وَأُعِدَّ لِغِشِّ النَّاسِ بِهِ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ. الْحَطّ لَا يَجِبُ فَسْخُ بَيْعِ الْغِشِّ اتِّفَاقًا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَيُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَغُشُّ بِهِ أَدَبًا لِلْغَاشِّ لِخَبَرِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ، فَإِنْ أَحْدَثَ فِيهِ الْغِشَّ لِغَيْرِ بَيْعِهِ أَوْ لِبَيْعِهِ مُبَيِّنًا غِشَّهُ مِمَّنْ يُؤْمَنُ غِشُّهُ بِهِ أَوْ يَشُكُّ فِيهِ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ. فَإِنْ بَاعَهُ لِمَنْ لَا يَغُشُّ بِهِ بِلَا بَيَانٍ فَلِلْمُشْتَرِي التَّمَسُّكُ بِهِ وَالرُّجُوعُ بِمَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْغِشِّ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ وَإِلَّا فَسَدَ بَيْعُهُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ تُصُدِّقَ بِمَا غُشَّ أَنَّهُ لَا يُكْسَرُ الْخُبْزُ وَلَا يُرَاقُ اللَّبَنُ، وَطَرْحُ عُمَرَ لَهُ فِي الْأَرْضِ اجْتِهَادٌ مِنْهُ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَحُمِلَ عَلَى الْقَلِيلِ. أَبُو الْحَسَنِ وَلَا قَائِلَ بِجَوَازِ إرَاقَةِ الْكَثِيرِ. الْبُنَانِيُّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ يُرَاقُ اللَّبَنُ وَيُحْرَقُ الْمَلَاحِفُ الرَّدِيئَةُ قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ. وَقِيلَ تُقْطَعُ خِرَقًا وَتُعْطَى لِلْمَسَاكِينِ قَالَهُ ابْنُ عَتَّابٍ. وَقِيلَ لَا يَحِلُّ الْأَدَبُ فِي مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. ابْنُ نَاجِي هَذَا الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْمَغْشُوشِ.، وَأَمَّا لَوْ زَنَى رَجُلٌ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ يُؤَدَّبُ بِالْمَالِ، وَمَا يَفْعَلُهُ الْوُلَاةُ فَهُوَ جَوْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ اهـ. وَقَالَ الْوَنْشَرِيسِيُّ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِحَالٍ، وَفَتْوَى الْبُرْزُلِيُّ بِتَحْلِيلِ الْمُغَرَّمِ الْمُلَقَّبِ بِالْخَطَأِ لَمْ يَزَلْ الشُّيُوخُ يَعُدُّونَهَا مِنْ الْخَطَأِ، وَيَقْبِضُونَ عَنْ مُتَابَعَتِهَا الْخَطَأَ. وَالْخِلَافُ فِي طَرْحِ الْمَغْشُوشِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ وَحَرْقِ الْمَلَاحِفِ الرَّدِيئَةِ النَّسْجِ. وَشِبْهُ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَالِ لَا مِنْ الْعُقُوبَةِ بِهِ، وَمِنْهُ التَّصَدُّقُ بِأُجْرَةِ الْمُسْلِمِ نَفْسِهِ لِلْكَافِرِ عَلَى عَصْرِ خَمْرٍ أَوْ رَعْيِ خِنْزِيرٍ وَثَمَنِ خَيْلٍ وَسِلَاحٍ مَبِيعٍ لِمَنْ يُقَاتِلُ بِهَا الْمُسْلِمِينَ. وَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مِنْ حَرْقِ بَيْتِ الْخَمَّارِ فَهُوَ شَاذٌّ وَرَاجِعٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْبَيْتُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ فَهِيَ عُقُوبَةٌ فِي الْمَالِ الَّذِي عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ. وَاسْتِحْسَانُ الْبُرْزُلِيُّ إغْرَامَ مُرْسِلِ الْبَهَائِمِ فِي الْكَرْمِ شَيْئًا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَغْرَمُهُ قَدْرَ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute