وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ جِهَتُهَا اجْتِهَادًا
ــ
[منح الجليل]
يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ لَهَا فَهَذَا يُصَلِّي لِغَيْرِ جِهَتِهَا كَالْخَائِفِ مِنْ نَحْوِ سَبُعٍ وَعَدُوٍّ لِأَنَّ شَرْطَ الِاسْتِقْبَالِ الْأَمْنُ وَالْقُدْرَةُ سَوَاءٌ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا وَيَأْتِي هُنَا فَالْآيِسُ أَوَّلُ الْمُخْتَارِ وَالرَّاجِي آخِرُهُ وَالْمُتَرَدِّدُ وَسَطُهُ.
(وَإِلَّا) إي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ وَلَا بِمَا أُلْحِقَ بِهَا (فَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ الْخِلَافِ أَنَّ الَّذِي يَشْتَرِطُ اسْتِقْبَالُهُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ (جِهَتُهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ لَا عَيْنِهَا وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ عَيْنُهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُ وَمُرَادُهُمْ تَقْدِيرُ الْمُصَلِّي ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا فِي الْوَاقِعِ كَمَنْ بِمَكَّةَ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا لِأَنَّ هَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَيَلْزَمُهُ بُطْلَانُ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى مُقْتَدِيًا بِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ زَائِدٌ عَلَى عَرْضِ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ عَيْنَهَا وَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ بُطْلَانُ صَلَاةِ مَأْمُومِهِ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَى وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ الْجِسْمَ يُقَابَلُ بِأَكْبَرَ مِنْهُ مَعَ الْبُعْدِ وَكُلَّمَا زَادَ الْبُعْدُ عَظُمَ الْمُقَابَلُ كَغَرَضِ الرُّمَاةِ وَقُطْبِ الدَّائِرَةِ وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِتَقَوُّسِ الْمُقَابِلِ كَالدَّائِرَةِ حَوْلَ قُطْبِهَا وَإِلَّا لَزِمَ فِي صَفٍّ مُعْتَدِلٍ وَلَا تَقَوُّسَ فِيهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ وَإِنْ أُرِيدَ إمْكَانُ الْوَصْلِ بَيْنَهُمَا بِخَطٍّ وَلَوْ مَالَ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا رَجَعَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا عبق وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُعِيدُ أَبَدًا الْبُنَانِيُّ الْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَازِرِيُّ وَأَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ اجْتِهَادٍ عَلَيْهِمَا وَالْأَبَدِيَّةُ عِنْدَنَا إنَّمَا هِيَ فِي قِبْلَةُ الْقَطْعِ.
وَلَعَلَّ عبق أَخَذَ ذَلِكَ مِمَّا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ (اجْتِهَادًا) فِي اسْتِقْبَالِ جِهَتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ جَامِعِ عَمْرٍو بِمِصْرَ الْعَتِيقَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ الْمُؤَدِّي لِمُخَالَفَةِ مِحْرَابِهِمَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مِحْرَابِهِمَا لِأَنَّ مِحْرَابَ الْمَدِينَةِ بِالْوَحْيِ وَمِحْرَابَ جَامِعِ عَمْرٍو بِإِجْمَاعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ نَحْوَ الثَّمَانِينَ وَإِنْ انْحَرَفَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَلَوْ يَسِيرًا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ بَحْثٌ بِالنِّسْبَةِ لِجَامِعِ عَمْرٍو بِأَنَّ الَّذِينَ حَضَرُوهُ نَحْوَ الثَّمَانِينَ وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الْإِجْمَاعِ.
وَلِذَا رُوِيَ أَنَّ اللَّيْثَ وَابْنَ لَهِيعَةَ كَانَا يَتَيَامَنَانِ فِيهِ قِيلَ وَتَيَامَنَ بِهِ قُرَّةٌ لَمَّا بَنَاهُ عَلَى عَهْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute