وَسَعَةُ الْحَائِطِ وَكَيْفِيَّةُ قَبْضِهِ،
ــ
[منح الجليل]
الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، ثُمَّ قَالَ وَمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ صَدَّرَ فِي الْجَوَاهِرِ بِخِلَافِهِ فَقَالَ فِي مَعْرِضِ ذِكْرِ الشُّرُوطِ وَيَضْرِبُ أَجَلًا لَا يُثْمِرُ فِيهِ وَيُسَمَّى مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ، وَلَوْ شَرَطَ أَخْذَ الْجَمِيعِ فِي يَوْمٍ لَجَازَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنْ سَمَّوْهُ بَيْعًا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهِ، وَإِنْ سَمَّوْهُ سَلَمًا لَزِمَ، وَمَا صَدَّرَ بِهِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشُّرُوطَ قَالَ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَحْمَلُ الْبَيْعِ لَا مَحْمَلُ السَّلَفِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ هَذِهِ الشُّرُوطَ عَلَى مُلَاحَظَةِ أَنَّهُ بَيْعٌ وَلَا عِبْرَةَ بِتَسْمِيَتِهِ سَلَمًا لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَهَذِهِ قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ إذَا تَقَابَلَ اللَّفْظُ وَالْفِعْلُ فِي الْعُقُودِ، فَالنَّظَرُ إلَى الْفِعْلِ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْهَا مَنْ قَالَ أَبِيعُك سُكْنَى دَارِي سَنَةً فَذَلِكَ غَلَطٌ فِي اللَّفْظِ كِرَاءٌ صَحِيحٌ.
وَفِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَإِنْ صَرَفْت دِينَارًا بِدَرَاهِمَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِهَا سَمْنًا أَوْ زَيْتًا وَتُسَمِّيَ صِفَتَهُ وَمِقْدَارَهُ نَقْدًا أَوْ مُؤَجَّلًا وَعَلَى أَنْ تَقْبِضَهَا ثُمَّ تَشْتَرِيَ مِنْهُ هَذِهِ السِّلْعَةَ كَأَجَلِ السَّلَمِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ لَغْوٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْت لَهُ عَلَى أَنْ أَقْبِضَهَا مِنْك ثُمَّ أَشْتَرِيَ بِهَا مِنْك سِلْعَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ، فَإِنْ رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ رَجَعْت بِدِينَارِك لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بِهِ، وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ لَغْوٌ، وَإِنَّمَا نَظَرَ مَالِكٌ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " إلَى فِعْلِهِمَا لَا إلَى قَوْلِهِمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَبَعًا لَهَا وَالْأَطْعِمَةُ وَالنُّقُودُ قَرْضٌ وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ، فَالنَّظَرُ أَبَدًا إلَى الْفِعْلِ وَلَا عِبْرَةَ بِاللَّفْظِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الرِّبَا، وَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي لَاحَظَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ لِقَوْلِهِ لَفْظُ السَّلَمِ يَقْتَضِي التَّأْخِيرَ وَفِيهِ بُعْدٌ وَكَلَامُهَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى كَلَامِهَا، وَكَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ إذْ قَالَ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا لَا سَلَمًا فَهِيَ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّ لَفْظَ السَّلَمِ مُلْغًى، فَالْأَوْلَى بِالْمُصَنِّفِ مُتَابَعَتُهُ وَشُرِطَ إزْهَاؤُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَهُ.
(وَ) شُرِطَ أَيْضًا (سَعَةُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا أَيْ كِبَرُ (الْحَائِطِ) بِحَيْثُ يَغْلِبُ اسْتِيفَاءُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَى مِنْ ثَمَرِهِ لِكَثْرَةِ شَجَرِهِ (وَ) شُرِطَ أَيْضًا بَيَانُ (كَيْفِيَّةِ قَبْضِهِ) أَيْ الثَّمَرِ الْمُشْتَرَى أَمُتَوَالِيًا أَمْ مُتَفَرِّقًا، وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِنْ سُمِّيَ بَيْعًا فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْحُلُولِ لِاقْتِضَاءِ الْبَيْعِ الْمُنَاجَزَةَ وَلَفْظِ السَّلَمِ التَّأْجِيلَ (وَ) شُرِطَ أَيْضًا فِيهِمَا إسْلَامُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute