فِي الْعَقْدِ وَثِيقَةً بِحَقٍّ:
ــ
[منح الجليل]
الْغَرَرِ (فِي الْعَقْدِ) أَيْ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ فَلَا يَفْسُدُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ رُشْدٍ الْمَشْهُورُ جَوَازُ رَهْنِ الْغَرَرِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إطْلَاقِهِ فِي قَوْلِهَا أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ رَهْنَ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ فِيهِ يُفْسِدُهُ. الْمَازِرِيُّ وَهُمَا جَارِيَانِ عَلَى أَنَّ الْفَاسِدَ إذَا قَارَنَ الصَّحِيحَ هَلْ يُصَيِّرُهُ مَمْنُوعًا أَمْ لَا. الْحَطّ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الرَّهْنُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ لَا، وَهَذِهِ إحْدَى النَّظَائِرِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْغَرَرُ، وَالثَّانِيَةُ الْهِبَةُ، وَالثَّالِثَةُ الْخُلْعُ، وَالرَّابِعَةُ الصُّلْحُ، وَذَكَرَ عِلَّةَ بَذْلِ مَا يُبَاعُ بِقَوْلِهِ (وَثِيقَةً) أَيْ لِلتَّوَثُّقِ بِهِ (بِحَقٍّ) لِإِخْرَاجِ بَذْلِ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ لِغَيْرِ التَّوَثُّقِ بِهِ، كَبَذْلِ الْمَبِيعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْمُعَارِ وَالْمَوْهُوبِ وَالْمُتَصَدِّقِ بِهِ.
وَتَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ الرَّهْنَ بِمَا ذُكِرَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ. إعْطَاءُ امْرِئٍ وَثِيقَةً بِحَقٍّ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الرَّهْنَ بِحَالٍ لِأَنَّهُ اسْمٌ، وَالْإِعْطَاءُ مَصْدَرٌ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، وَيَعْنِي أَنَّ الرَّهْنَ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرًا لَكِنْ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقَهُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَالٌ مُعْطَى مَثَلًا. وَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ: مَالُهُ قُبِضَ تَوْثِيقًا بِهِ فِي دَيْنٍ. قَالَ فَخَرَجَتْ الْوَدِيعَةُ وَالْمَصْنُوعُ بِيَدِ صَانِعِهِ وَالرَّقِيقُ الْجَانِي الْمُسَلَّمُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. الْحَطّ يُقَالُ الرَّهْنُ يُطْلَقُ فِي عُرْفِهِمْ عَلَى الْعَقْدِ أَيْضًا، كَقَوْلِهِمْ يَصِحُّ الرَّهْنُ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ، فَتَعْرِيفُهُ بِالْإِعْطَاءِ وَالْبَذْلِ الْمُرَادُ بِهِمَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ أَيْضًا. وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْبَذْلِ فِي التَّعْرِيفَاتِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] ، وَفِي الْإِعْطَاءِ وَلِلْبَذْلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِقْبَاضِ وَالْإِذْنِ فِيهِ، وَلَوْ تَوَلَّى الْمُرْتَهِنُ قَبْضَهُ بِنُقُسِهِ فَلَا يَكُونُ رَهْنًا.
وَعَرَّفَهُ ابْنُ شَاسٍ بِأَنَّهُ: احْتِبَاسُ الْعَيْنِ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ، وَنَظَرَ فِيهِ وَفِي تَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْإِعْطَاءِ أَوْ الِاحْتِبَاسِ، وَلَا يَكَادُونَ يُطْلِقُونَهُ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ أَمَّا الْعَقْدُ أَوْ الشَّيْءُ الْمَرْهُونُ، فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ الرَّهْنُ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ، وَقَوْلُهُمْ يَصِحُّ رَهْنُ كَذَا وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ كَذَا وَاشْتِرَاطُهُمْ الصِّيغَةُ فِيهِ أَوْ جَعْلُهَا رُكْنًا لَهُ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ مَا يُنَافِي مَا قَالَاهُ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute