للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْغَرِيمِ: مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ تَبَرُّعِهِ

ــ

[منح الجليل]

قِصَصًا فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] .

(لِلْغَرِيمِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ رَبِّ الدَّيْنِ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا فَفَعِيلٌ أَمَّا بِمَعْنَى فَاعِلٍ بِاعْتِبَارِ الدَّفْعِ مِنْهُ ابْتِدَاءً، أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ بِاعْتِبَارِ الدَّفْعِ إلَيْهِ انْتِهَاءً، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَدِينِ أَيْضًا فَيَكُونُ بِالْعَكْسِ. فِي الصِّحَاحِ الْغَرِيمُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ يُقَالُ خُذْ مِنْ غَرِيمِ السُّوءِ مَاسِحٍ بِالنُّونِ وَقَدْ يَكُونُ الْغَرِيمُ أَيْضًا الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ قَالَ كَثِيرٌ:

قَضَى كُلُّ ذِي دَيْنٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ ... وَعَزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنَّى غَرِيمُهَا

(مَنْعُ) بِسُكُونِ النُّونِ مَصْدَرُ مَنَعَ بِفَتْحِهَا مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ (مَنْ) أَيْ مَدِينٍ أَوْ الْمَدِينِ الَّذِي (أَحَاطَ) أَيْ سَاوَى أَوْ زَادَ (الدَّيْنُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَوْ الْمُؤَجَّلُ وَلَوْ بِبَعِيدٍ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَصِلَةُ أَحَاطَ (بِمَالِهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمَدِينِ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ مَنْعُهُ (مِنْ تَبَرُّعِهِ) أَيْ الْمَدِينِ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ تَحْبِيسٍ أَوْ نَحْوِهَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا مِنْ الشَّارِعِ أَيْضًا.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا هِبَةٌ إذَا أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ وَلَهَا فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ.

وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ فَأَمَّا قَبْلُ التَّفْلِيسِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا مَا لَزِمَهُ مِنْ نَفَقَةِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَنَفْسِهِ، وَلَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ كَسْرَةٍ لِسَائِلٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَنَفَقَةِ عِيدَيْنِ دُونَ سَرَفٍ فِي الْجَمِيعِ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الرَّضَاعِ إنْ عَلِمَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ مَرَّ، الدُّيُونُ يُغْتَرَقُ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ هِبَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ. اهـ. وَبِهَذَا قَرَّرَ " ح " كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ يَعْنِي إنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ، وَمُرَادُهُ قَبْلَ تَفْلِيسِهِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَفَلَسٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لِمَنْ أَحَاطَ

<<  <  ج: ص:  >  >>