الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بَيْعٌ،
ــ
[منح الجليل]
الثَّالِثَةُ: ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ أَيْ الصُّلْحُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ وُجُوبُهُ عِنْدَ تَعْيِينِ مَصْلَحَتِهِ وَحُرْمَتُهُ وَكَرَاهَتُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ مَفْسَدَةً وَاجِبَةَ الدَّرْءِ أَوْ رَاجِحَتَهُ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ لِلَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ. ابْنُ رُشْدٍ لَا بَأْسَ بِنَدْبِ الْقَاضِي الْخَصْمَيْنِ إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَاحْرِصْ عَلَى الصُّلْحِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَك فَصْلُ الْقَضَاءِ. وَقِيلَ فِي بَعْضِ الْمُذَاكَرَاتِ لَا بَأْسَ بِهِ بَعْدَ التَّبَيُّنِ إنْ كَانَ لِرِفْقٍ بِالضَّعِيفِ مِنْهُمَا، كَالنَّدْبِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُوهِمُ ثُبُوتَ الْحَقِّ عَلَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَوْ سُقُوطَهُ لَهُ، بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ. ابْنُ رُشْدٍ إنْ أَبَاهُ أَحَدُهُمَا فَلَا يُلِحُّ عَلَيْهِ إلْحَاحًا يُوهِمُ الْإِلْزَامَ.
الرَّابِعَةُ: ابْنُ عَرَفَةَ قَسَّمُوهُ إلَى صُلْحٍ عَلَى إقْرَارٍ وَصُلْحٍ عَلَى إنْكَارٍ، فَقَوْلُ عِيَاضٍ حُكْمُ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ لِتَكُونَ الْقِسْمَةُ حَقِيقِيَّةً بَيْنَ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ أَوْ الْمُسَاوِي لِنَقِيضِهِ اهـ. طفي الشَّيْءُ هُوَ الْإِقْرَارُ وَنَقِيضُهُ لَا إقْرَارُهُ وَمُسَاوِيهِ الْإِنْكَارُ وَالسُّكُوتُ، وَإِنْ شِئْت قُلْت الشَّيْءُ هُوَ الْإِنْكَارُ وَنَقِيضُهُ لَا إنْكَارَ وَمُسَاوِيهِ الْإِقْرَارُ وَالسُّكُوتُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَلَا إقْرَارَ وَلَا بَيْنَ الْإِنْكَارِ وَلَا إنْكَارَ فَافْهَمْ.
(الصُّلْحُ) أَيْ عَلَى إقْرَارٍ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ الصُّلْحَ عَلَى سُكُوتٍ وَالصُّلْحَ عَلَى إنْكَارٍ بَعْدَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ، وَبَيَّنَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فَقَالَ (عَلَى) أَخْذِ شَيْءٍ (غَيْرِ الْمُدَّعَى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُشَدَّدَةٍ وَالْعَيْنِ، وَصِلَتُهُ مَحْذُوفَةٌ أَيْ بِهِ (بَيْعٌ) لِذَاتِ الْمُدَّعَى بِهِ بِالْمَأْخُوذِ إنْ كَانَ ذَاتًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ وَانْتِفَاءُ مَوَانِعِهِ كَدَعْوَاهُ بِعَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ عَقَارٍ، فَيُقِرُّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَالِحُهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بِهِمَا نَقْدًا أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مُخَالِفٍ لِلْمُصَالَحِ عَنْهُ، فَقَدْ بَاعَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى بِهِ بِنَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهُ فَجَازَ لِوُجُودِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ كَأَنْ لَا يَبِيعَ الْمُصَالِحَ بِهِ أَوْ لَا يَلْبَسَهُ أَوْ لَا يَرْكَبَهُ أَوْ لَا يَطَأَ الْجَارِيَةَ أَوْ صَالَحَهُ بِمَجْهُولٍ أَوْ لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ عَنْ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ مُؤَخَّرًا، وَعَكْسِهِ أَوْ عَنْ طَعَامِ مُعَاوَضَةٍ فَسَدَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ أَوْ وُجُودِ الْمَانِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute