وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ:
ــ
[منح الجليل]
وَالضَّمَانُ عِنْدَهُ مُكْتَسَبٌ وَالشَّغْلُ لَازِمُهُ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ مُكْتَسَبٌ وَالْمِلْكَ لَازِمُهُ. الْبُنَانِيُّ حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَغْلٌ مُبَايِنٌ لِلْمَحْدُودِ فَلَيْسَ بِجَامِعٍ وَلَا مَانِعٍ لِأَنَّ الضَّمَانَ سَبَبٌ فِي الشَّغْلِ، فَالشَّغْلُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ لَا نَفْسُهُ وَسَلَّمَهُ " غ " وعج وَرَدَّهُ ابْنُ عَاشِرٍ بِأَنَّ الَّذِي لَيْسَ فِعْلًا لِلشَّخْصِ إنَّمَا هُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ. وَأَمَّا شَغْلُهَا فَهُوَ فِعْلُ الشَّخْصِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، فَقَوْلُهُمْ شَغْلُ ذِمَّةٍ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِالْحَقِّ أَيْ أَلْزَمَهَا إيَّاهُ، فَهُوَ فِعْلٌ مُكْتَسَبٌ مُسَاوٍ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْتِزَامُ دَيْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاحْتَرَزَ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ لَا يُسْقِطُهُ عَنْ الْحَوَالَةِ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهَا طَرْحُ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْتِزَامٍ، فَالْمُنَاسِبُ أَنَّهُ لِتَحْقِيقِ الْمَاهِيَّةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي فُصُولِ الْحَدِّ لَا لِإِخْرَاجِ الْحَوَالَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ صُوَرِ الْحَوَالَةِ وَذَلِكَ إذَا الْتَزَمَ مَدْيَنُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى دَائِنِهِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْحَوَالَةِ، فَهَذِهِ تَخْرُجُ بِقَوْلِهِ لَا يُسْقِطُهُ، وَيَخْرُجُ بِهِ أَيْضًا الْتِزَامُ دَيْنٍ عَلَى آخَرَ أَفَادَهُ عج.
(وَصَحَّ) الضَّمَانُ وَلَزِمَ (مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ) بِالْمَضْمُونِ فِيهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيمَا ضَمِنَ، فِيهِ فَدَخَلَتْ الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ بِالنِّسْبَةِ لِلثُّلُثِ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أَذِنَ لَهُمَا سَيِّدُهُمَا فِي ضَمَانِهِ. وَمَفْهُومُ أَهْلِ التَّبَرُّعِ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ زَوْجَةً أَوْ مَرِيضًا بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ رَقِيقًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ، أَوْ مُؤَجِّرًا نَفْسَهُ لِعَمَلٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ ظِئْرًا فَضَمَانُهُمْ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إجَازَتُهُ.
فِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ تَكَفَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ فَغَابَ الرَّجُلُ فَأُخِذَ بِهِ الْكَفِيلُ فَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْكَفِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ دَارِهِ أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ فَالْإِجَارَةُ مُقَدَّمَةٌ وَلَا يُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ كَفَالَةَ الدَّيْنِ مَعْرُوفٌ مُتَطَوَّعٌ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ ظِئْرًا اُسْتُؤْجِرَتْ لِرَضَاعٍ قَبْلَ كَفَالَتِهَا فَلَا تُحْبَسُ فِي الْكَفَالَةِ أَيْضًا، وَالرَّضَاعُ مُقَدَّمٌ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ طُولِبَتْ بِالْحَمَالَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute