للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْأَبْرِحَةِ يَبْنِيهَا الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ مُلْصَقَةً بِجِدَارِهِ اخْتِيَارًا. ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى ظَاهِرِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " فِي الْكِيرِ الَّذِي اُبْتُنِيَ بِالسُّوقِ فَأَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ، وَوَجْهُ هَذَا قَوْلُ أَنَّ الطَّرِيقَ حَقٌّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْحَبْسِ، فَوَجَبَ أَنْ يُهْدَمَ عَلَى الرَّجُلِ مَا تَزَيَّدَهُ فِي دَارِهِ مِنْهَا كَمَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ بِمَا تَزَيَّدَ مِنْ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ مِلْكٍ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِهَا لِسَعَتِهَا لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ، إذْ هُوَ فِنَاؤُهُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَكِرَاؤُهُ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَضَى بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ وَأَفْنِيَتُهَا مَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهَا، فَلَمَّا كَانَ مُخْتَصًّا بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إلَّا إذَا اسْتَغْنَى هُوَ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ لَا يُهْدَمَ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ فَيَذْهَبُ مَالُهُ هَدَرًا، وَهُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ حَقًّا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، بَلْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُصَلْ إلَى أَخْذِهِ مِنْهُ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ إلَّا بِهَدْمِ بُنْيَانِهِ وَتَلَفِ مَالِهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا سِيَّمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً.

فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فِي الطَّرِيقِ أَرَادَ أَهْلُهَا بُنْيَانَ عَرْصَتِهَا أَنَّ الْأَقْرَبِينَ إلَيْهَا يَقْتَطِعُونَهَا عَلَى قَدْرِ مَا شُرِعَ فِيهَا مِنْ رُبَاعِهِمْ بِالْحِصَصِ، فَيُعْطَى صَاحِبُ الرُّبْعِ الْوَاسِعِ بِقَدْرِهِ، وَصَاحِبُ الصَّغِيرِ بِقَدْرِهِ، وَيَتْرُكُونَ لِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ثَمَانِيَةَ أَذْرُعٍ احْتِيَاطًا لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى زِيَادَةِ الذِّرَاعِ وَنُقْصَانِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَظْهَرُ، وَالْقَائِلُونَ بِهِ أَكْثَرُ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَقَدْ نَزَلَتْ بِقُرْطُبَةَ قَدِيمًا فَأَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ وَأَبُو صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَلِيدٍ بِأَنَّهُ لَا يُهْدَمُ مَا تَزَيَّدَهُ مِنْ الطَّرِيقِ إذْ لَمْ يَضُرَّ بِهَا، وَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُطَيَّرٍ بِهَدْمِ مَا تَزَيَّدَ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يُضَرُّ بِهِ، أَفْتَى بِهِ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِ، وَرَجَّحَهُ فِي سُؤَالٍ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ عِيَاضٌ عَمَّنْ بَنَى حَائِطًا فِي بَطْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>