إنْ لَمْ يُبْذَرْ
ــ
[منح الجليل]
الْقُرْطُبِيُّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَرْمِي الْبَذْرَ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ الِاسْتِعَاذَةِ {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} [الواقعة: ٦٣] {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: ٦٤] بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الزَّارِعُ الْمُنْبِتُ الْمُبَلِّغُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَارْزُقْنَا خَيْرَهُ وَجَنِّبْنَا ضَرَرَهُ، وَاجْعَلْنَا لِأَنْعُمِكَ مِنْ الشَّاكِرِينَ اهـ. قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَمَانٌ لِلزَّرْعِ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ الدُّودِ وَالْجَرَادِ وَغَيْرِهِمَا، سَمِعْته مِنْ ثِقَةٍ وَجُرِّبَ فَوُجِدَ كَذَلِكَ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأَفْضَلُ الزِّرَاعَةُ لِكَثْرَةِ التَّنَاوُلِ مِنْهَا أَوْ الْغِرَاسَةُ لِدَوَامِهَا الْبُرْزُلِيُّ وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ زَرْعِهِ أَوْ غَرْسِهِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهُ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَى أُصُولِهِ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ. وَلَا تَلْزَمُ الْمُزَارَعَةُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِهَا فَلِكُلٍّ فَسْخُهَا (إنْ لَمْ يُبْذَرْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْوَحْدَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَمْ يُجْعَلْ الْبَذْرُ بِالْأَرْضِ، فَإِنْ بُذِرَ لَزِمَتْ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ كِنَانَةَ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ بَذْرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَبِهِ جَرَتْ الْفَتْوَى بِقُرْطُبَةَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ وَإِجَارَةٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُقْتَضِيَةٌ لِلْأُخْرَى بِكُلِّيَّتِهَا لَا فَضْلَ فِيهَا عَنْهَا، فَاخْتُلِفَ أَيُّهُمَا تُغَلَّبُ، فَمَنْ غَلَّبَ الشَّرِكَةَ لَمْ يَرَهَا لَازِمَةً بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُجِزْهَا إلَّا عَلَى التَّكَافُؤِ وَالِاعْتِدَالِ، إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا لَا فَضْلَ لِكِرَائِهِ.
وَمِنْ غَلَّبَ الْإِجَارَةَ أَلْزَمَهَا بِالْعَقْدِ وَأَجَازَ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُرَاعِ التَّكَافُؤَ غَيْرَ ابْنِ حَبِيبٍ، قَالَ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ الْأَمْرُ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فِي الْبُيُوعِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ تَفَاحَشَ الْفَضْلُ فِي قِيمَةِ الْكِرَاءِ مَا لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ لَهُ بَالٌ لَمْ يُخْرِجْ صَاحِبُهُ عِوَضًا عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَغَلُّبِ الْإِجَارَةِ وَإِلْزَامِ الْعَقْدِ أَنْ يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بِكُلِّ حَالٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ خَلِيلٌ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ دَوَرَانُهَا بَيْنَ الشَّرِكَةِ وَالْإِجَارَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهَا شَرِكَةٌ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْمَالِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ أَوْ الشُّرُوعِ ثَالِثُهَا بِالْأَبْذَارِ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ مَعَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute