كَالْمُودَعِ،
ــ
[منح الجليل]
وَشَبَّهَ فِي التَّصْدِيقِ فَقَالَ (كَالْمُودَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ يَدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةِ لِمُودِعِهَا وَيُنْكِرُهُ الْمُودِعُ فَيُصَدَّقُ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَقْبِضَ الْوَدِيعَةَ بِبَيِّنَةٍ لِلتَّوَثُّقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. الْحَطّ قَوْلُهُ وَصُدِّقَ فِي الرَّدِّ أَيْ مَعَ يَمِينِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ أَوْ طَالَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ أَمْ لَا. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي الْوَكِيلِ يَدَّعِي أَنَّهُ دَفَعَ إلَى مُوَكِّلِهِ مَا قَبَضَهُ مِنْ غُرَمَائِهِ أَوْ مَا بَاعَ بِهِ مَتَاعَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ جُمْلَةً بِلَا تَفْصِيلٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ شَيْئًا، وَعَلَى الْوَكِيلِ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ تَبَاعَدَ الْأَمْرُ كَالشَّهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ جِدًّا فَلَا بَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ.
وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ صُدِّقَ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ جِدًّا صُدِّقَ بِدُونِ يَمِينٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ.
وَالرَّابِعُ: تَفْرِقَةُ أَصْبَغَ بَيْنَ الْوَكِيلِ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ وَالْمُفَوَّضُ يُصَدَّقُ فِي الْقُرْبِ بِيَمِينِهِ، وَفِي الْبُعْدِ بِدُونِهَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ لَفْظَ صُدِّقَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُصَدَّقُ فِيهِ بِلَا يَمِينٍ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: عَبْدُ الْوَهَّابِ صُدِّقَ الْوَكِيلُ وَالْمُودَعُ وَالْمُرْسَلُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا لِأَنَّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ قَدْ ائْتَمَنُوهُمْ فَكَانَ قَوْلُهُمْ مَقْبُولًا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَكَذَا عَامِلُ الْقِرَاضِ مُؤْتَمَنٌ بِالْفَتْحِ فِي رَدِّ الْقِرَاضِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَخَذَ الْمَالَ بِبَيِّنَةٍ لِلتَّوَثُّقِ فَلَا يُبْرِئُهُ دَعْوَى رَدِّهِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَمْ يَأْتَمِنْهُ حِينَ اسْتَوْثَقَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ كَالْمُودَعِ أَشَارَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى أَنَّ الْوَكِيلَ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي رَدِّ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute