وَبِبَعْثِهِ بِهَا
ــ
[منح الجليل]
(و) تُضْمَنُ بِسَبَبِ (بَعْثٍ) أَيْ إرْسَالٍ مِنْ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ (بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ لِرَبِّهَا بِغَيْرِ إذْنٍ فَتَتْلَفُ، وَلَوْ ادَّعَى إذْنَهُ وَأَنْكَرَهُ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ. " ق " فِيهَا لَوْ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ قَدْ رَدَدْتُ ذَلِكَ مَعَ رَسُولِي إلَى رَبِّهِ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ. أَشْهَبُ سَوَاءٌ أَوْدَعْتَهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَا. ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُودَعِ يَأْتِيهِ رَجُلٌ زَعَمَ أَنَّ رَبَّهَا أَمَرَهُ بِأَخْذِهَا فَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ وَدَفَعَهَا لَهُ فَضَاعَتْ مِنْهُ وَأَنْكَرَ رَبُّهَا أَمْرَهُ فَيَضْمَنُهَا الدَّافِعُ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى قَابِضِهَا.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: إذَا سَافَرَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ الْوَدِيعَةِ إلَى رَبِّهَا فَتَلِفَتْ مِنْهُ قَبْلَ رَدِّهَا لَهُ فَضَمِنَهَا، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي امْرَأَةٍ مَاتَتْ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَكَتَبَ وَصِيُّهَا إلَى وَرَثَتِهَا بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرُدُّوا لَهُ جَوَابًا، فَسَافَرَ بِتَرِكَتِهَا إلَيْهِمْ فَهَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا لِسَفَرِهِ بِهَا بِغَيْرِ أَمْرِ أَرْبَابِهَا. اهـ. وَأَقَرَّهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَاَلَّذِي فِي الْخَرَشِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا، وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهِ وَنَقَلَ عَنْ الْمِسْنَاوِيِّ أَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ إنْ أَغَرَّ بِهَا بِسَفَرِهِ بِهَا فِي وَقْتٍ مَخُوفٍ فَيَضْمَنُهَا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. الْبُنَانِيُّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالتَّوْضِيحِ هُوَ الضَّمَانُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ.
الثَّانِي: ابْنُ رُشْدٍ مَنْ أَوْدَعْتَ مَعَهُ وَدِيعَةً لِبَلَدٍ فَعَرَضَتْ لَهُ إقَامَةٌ فِي الطَّرِيقِ قَصِيرَةٌ كَالْأَيَّامِ أَوْ طَوِيلَةٌ كَالسَّنَةِ أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ كَالشَّهْرَيْنِ فَإِنْ بَعَثَهَا فِي الْقَصِيرَةِ فَضَاعَتْ فَيَضْمَنُهَا وَإِنْ حَبَسَهَا فِي الطَّوِيلَةِ فَضَاعَتْ فَيَضْمَنُهَا، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْمُتَوَسِّطَةِ اهـ. الْحَطُّ هَذَا هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَجَمَعَ بِهِ بَيْنَ أَقْوَالِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ.
الثَّالِثُ: مَنْ أُرْسِلَ بِمَالٍ إلَى شَخْصٍ فَلَمْ يَجِدْهُ فَرَجَعَ بِهِ فَضَاعَ مِنْهُ حَالَ رُجُوعِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي رُجُوعِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْهُ إيدَاعُهُ عِنْدَ ثِقَةٍ.
الرَّابِعُ: فِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَبْضَعَ مَعَهُ بِبِضَاعَةٍ فَلَيْسَ لَهُ إيدَاعُهَا غَيْرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute