وَإِقَالَةٌ قَبْلَ النَّقْدِ
ــ
[منح الجليل]
فِيمَا لَا كَثِيرَ تَفَاوُتٍ بَيْنَ آحَادِهِ، فِيهَا مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا مِنْ قَوْمٍ قَدْ عُرِفَ حَمْلُهُمْ، فَذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ الْحَمْلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَوْ سَمَّى حِمْلَ طَعَامٍ أَوْ بَزٍّ أَوْ عِطْرٍ جَازَ، وَحَمْلُهَا قَدْرُ حَمْلِ مِثْلِهَا. عِيَاضٌ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا فَحَمَلَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ عَلَى الْخِلَافِ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ قَدْ عُرِفَ حَمْلُهُمْ أَيْ قَدْرُهُ وَالْأَنْدَلُسِيُّونَ عَلَى الْوِفَاقِ أَيْ عَرَّفُوا جِنْسَ وَنَوْعَ مَا يَحْمِلُونَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَا يَضُرُّهُمْ جَهْلُ قَدْرِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَضْلٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ مَتَى عُرِفَ جِنْسُهُ لَمْ يُبَالَ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ، وَحَمَلَتْ الدَّابَّةُ حَمْلَ مِثْلِهَا، وَقَدْ قَالَهُ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا فِي مُكْتَرِي دَوَابَّ مِنْ وَاحِدٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ إرْدَبٍّ وَلَمْ يُسَمِّ مَا تَحْمِلُ دَابَّةٌ جَازَ وَيَحْمِلُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ مَا تَقْوَى عَلَى حَمْلِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي زَامِلَةِ الْحَاجِّ.
أَبُو الْحَسَنِ حَاصِلُ هَذَا أَنَّ الْقَرَوِيِّينَ قَالُوا لَا يَجُوزُ وَإِنْ سَمَّى الْجِنْسَ حَتَّى يُعْرَفَ الْقَدْرُ إمَّا بِنَصٍّ أَوْ عُرْفٍ وَلَا يَكْفِي الِاجْتِهَادُ، وَقَالَ الْأَنْدَلُسِيُّونَ إنْ سَمَّى الْجِنْسَ جَازَ، وَيُصْرَفُ الْقَدْرُ لِلِاجْتِهَادِ، وَمِمَّنْ أَوَّلَ بِالْخِلَافِ. اللَّخْمِيُّ فَقَالَ: إنْ سَمَّى قَدْرَ مَا يَحْمِلُ دُونَ جِنْسِهِ لَمْ يَجُزْ فَقَدْ يَتَّفِقُ الْوَزْنُ وَيَخْتَلِفُ الْكِرَاءُ لِاخْتِلَافِ الْمَضَرَّةِ كَالْكَتَّانِ وَالرَّصَاصِ الْمُسْتَوِيَيْنِ وَزْنًا وَاخْتُلِفَ إذَا سَمَّى الْجِنْسَ دُونَ الْقَدْرِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ. وَيَحْمِلُ عَلَيْهَا حَمْلَ مِثْلِهَا، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، إذْ قَدْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَا تَحْمِلُهُ إلَّا رَبُّهَا، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ شَاسٍ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي حَمْلِ كَلَامِ الْغَيْرِ عَلَى الْخِلَافِ لِاخْتِيَارِهِ اللَّخْمِيُّ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَفَاوَتْ خَاصٌّ بِالْمَعْدُودِ كَمَا قَالَ الشَّارِحَانِ، وَبِهِ قَرَّرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، إذْ ذِكْرُ الْجِنْسِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، وَالْجِنْسُ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَفَاوُتٌ بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ أَفَادَهُ طفي.
(وَ) مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِحَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَا جَازَتْ (الْإِقَالَةُ) مِنْ الِاكْتِرَاءِ إنْ كَانَتْ (قَبْلَ النَّقْدِ) لِلْكِرَاءِ مِنْ الْمُكْتَرِي لِلْمُكْرِي، سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْكِرَاءِ أَوْ بِأَزْيَدَ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضًا بِشَرْطِ تَعْجِيلِهَا؛ لِأَنَّ الْمُكْرِيَ اكْتَرَى الدَّابَّةَ مِنْ الْمُكْتَرِي بِالْكِرَاءِ فَقَطْ أَوْ بِهِ وَبِالزِّيَادَةِ، فَإِنْ أُجِّلَتْ الزِّيَادَةُ مُنِعَتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute