وَلِلْأَبِ اعْتِصَارُهَا مِنْ وَلَدِهِ: كَأُمٍّ فَقَطْ
ــ
[منح الجليل]
أَرَأَيْت إنْ مَاتَ الْفَرَسُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَتَذْهَبُ نَفَقَتُهُ بَاطِلًا، فَهَذَا غَرَرٌ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى مَسْأَلَتِك فِي النَّخْلِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّخْلُ بِيَدِ الْوَاهِبِ يَسْقِيهَا وَيَقُومُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ يَدِهِ، فَهَذَا إنَّمَا وَهَبَ نَخْلَهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ سَلَّمْت النَّخْلَ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلَمْ يَمُتْ رَبُّهَا وَلَا لَحِقَهُ دَيْنٌ فَلَهُ أَخْذُهَا بَعْدَ الْأَجَلِ، وَإِنْ مَاتَ رَبُّهَا أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ بَطَلَتْ الْهِبَةُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا.
(وَ) إنْ وَهَبَ أَبٌ لِوَلَدِهِ هِبَةً فَ (لِلْأَبِ) أَيْ مُبَاشَرَةً أَيْ لَا الْجَدِّ (اعْتِصَارُهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِهْمَالِ الصَّادِ، أَيْ أَخْذُ الْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ (مِنْ وَلَدِهِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَازَهَا الْوَلَدُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. ابْنُ عَرَفَةَ الِاعْتِصَارُ ارْتِجَاعُ الْمُعْطِي عَطِيَّتَهُ دُونَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى، وَصِيغَتُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظًا، وَفِي لَغْوِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ الْتِزَامًا نَقْلَا ابْنِ عَاتٍ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الشُّورَى وَابْنِ وَرْدٍ، قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى فِيمَنْ بَاعَهَا قَبْلَهُ بِاسْمِ نَفْسِهِ وَمَاتَ فَثَمَنُهَا لِابْنِهِ فِي مَالِهِ، وَلَا يَكُونُ الِاعْتِصَارُ إلَّا بِإِشْهَادٍ. اهـ. قَوْلُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظًا شَامِلٌ لِمَا كَانَ مِنْ مَادَّةِ الِاعْتِصَارِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. وَفِي لُبَابِ ابْنِ رَاشِدٍ صِيغَتُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَاعْتَصَرْتُ وَرَدَدْت، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَكُونُ اعْتِصَارُ الْأَبَوَيْنِ إلَّا بِإِشْهَادٍ. اهـ. فَتَخْصِيصُ صِيغَتِهِ بِمَادَّةِ الِاعْتِصَارِ غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَهُ الْبُنَانِيُّ.
وَشَبَّهَ فِي الِاعْتِصَارِ فَقَالَ (كَأُمٍّ) مُبَاشِرَةِ الْوِلَادَةِ فَلَهَا اعْتِصَارُ مَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا (فَقَطْ) أَيْ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ جَدٍّ وَجَدَّةٍ وَنَحْوِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ. فِيهَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِلْأُمِّ أَنْ تَعْتَصِرَ مَا وَهَبَتْ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثُوا دُيُونًا، وَيُحْدِثُوا فِيهَا إحْدَاثًا. ابْنُ عَرَفَةَ الْمَذْهَبُ صِحَّةُ اعْتِصَارِ الْأَبِ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ صَغِيرًا كَانَ الِابْنُ أَوْ كَبِيرًا، وَمَعْرُوفُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأُمَّ مِثْلُهُ. فِيهَا قَالَ رَبِيعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَعْتَصِرُ الْوَلَدُ مِنْ الْوَالِدِ. قُلْت فَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبَوَيْنِ مِنْ جَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ أَوْ خَالٍ أَوْ خَالَةٍ أَوْ غَيْرِهِمْ اعْتِصَارُ هِبَتِهِمْ؟ قَالَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِصَارُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute