وإنْ قَلَّ
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ عَرَفَةَ سُقُوطُ حَدِّ مَنْ شَرِبَ غَلَطًا وَاضِحٌ لِقَوْلِهَا مَعَ غَيْرِهَا لَا حَدَّ فِي وَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ كَذَلِكَ، وَفِي كَافِي أَبِي عُمَرَ مَنْ ظَنَّ النَّبِيذَ حَلَاوَةً وَلَمْ يَشْعُرْ بِسُكْرِهِ فَسَكِرَ مِنْهُ فَلَا يُحَدُّ إنْ كَانَ مَأْمُونًا لَا يُتَّهَمُ، وَمِثْلُهُ مَنْ شَرِبَ مُبَاحًا ظَانًّا أَنَّهُ خَمْرٌ فَلَا يُحَدُّ وَإِنْ أَثِمَ لِاجْتِرَائِهِ وَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ قَالَهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِالشُّرْبِ الْوُصُولُ لِلْحَلْقِ مِنْ الْفَمِ وَإنْ رَدَّ قَبْلَ وُصُولِهِ الْجَوْفَ فَوُصُولُهُ الْجَوْفَ مِنْ أَنْفٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُهُ، وَإِنْ وَصَلَ الْجَوْفَ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ
الثَّانِي: الشُّرْبُ يُفِيدُ أَنَّ الْحَدَّ مُخْتَصٌّ بِالْمَائِعِ فَلَا يُحَدُّ بِالْجَامِدِ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ وَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ، وَفِيهِ الْأَدَبُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، بِخِلَافِ الْمَائِعِ الْمُسْكِرِ.
الثَّالِثُ: الْمَازِرِيُّ وَعِيَاضٌ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ.
الرَّابِعُ: بِلَا عُذْرٍ يُغْنِي عَنْ الْقَيْدِ قَبْلَهُ وَالْقَيْدَيْنِ بَعْدَهُ وَيُغْنِي الْمُكَلَّفُ عَنْ قَوْلِهِ طَوْعًا لِأَنَّ الْمُكْرَهَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
وَشُرْبُ الْمُكَلَّفِ الْمُسْلِمِ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ الْحَدَّ إنْ كَثُرَ، بَلْ (وَإِنْ قَلَّ) فِيهَا مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ. ابْنُ عَرَفَةَ رَوَى النَّسَائِيّ بِسَنَدِهِ عَنْ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ ذَكَرَهُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي إلْمَامِهِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ. وَقَالَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِنْهُمْ جَابِرٌ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وَأَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُد بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْفُرَاتِ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْمَتِينِ. وَأَخْرَجَ الثَّانِيَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ، وَزَعَمَ ابْنُ الْقَطَّانِ أَنَّهُ لَا تُعْرَفُ رِجَالُهُ اهـ.
الْبُنَانِيُّ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرْقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» . اللَّخْمِيُّ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَمَا نَجِدُ خَمْرَ الْأَعْنَابِ إلَّا قَلِيلًا وَعَامَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute