للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

بِالْفَرَائِضِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَالْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَفْتَقِرَ النَّاسُ إلَى عِلْمِ مَنْ يَعْلَمُهَا. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يُحْسِنُ الْفَرَائِضَ كَمَثَلِ لَابِسِ بُرْنُسٍ لَا رَأْسَ لَهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا مُفْتِيًا حَتَّى يُحْكِمَ الْفَرَائِضَ وَالنِّكَاحَ وَالْأَيْمَانَ. الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَشَارَ إلَى عِظَمِ هَذِهِ الْفُصُولِ مِنْ الدِّينِ وَعُمُومِ فُرُوعِهَا فِي الْمُسْلِمِينَ، وَالْفَرَائِضُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَأَتَمُّ عُلُومِهِ، وَالنَّاسُ إلَى انْقِرَاضِ الدُّنْيَا بَيْنَ وَارِثٍ وَمَوْرُوثٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ سَائِرِ الْعُلُومِ مَا يَنْزِلُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضِ، وَالْفَرْضُ نَازِلٌ بِالْكُلِّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ وَأَنْفَسِهَا. وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَاسْتَوْفَتْ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ النَّظَرَ فِيهِ وَكَثُرَتْ مُنَاظَرَتُهُمْ وَأَجْوِبَتُهُمْ وَفُرُوعُهُمْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ، فَمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ فَقَدْ اهْتَدَى بِهَدْيِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَاخْتَلَفَ هَلْ كَوْنُهَا نِصْفًا تَعَبُّدًا وَمَعْقُولَ الْمَعْنَى قَوْلَانِ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ جَمَاعَةٌ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهِ عَقَلْنَا مَعْنَاهُ أَمْ لَا. وَعَلَى الثَّانِي تَوَقُّفٌ فِي تَسْمِيَتِهَا نِصْفًا مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ» بِأَنَّ النِّصْفَيْنِ يَسْتَغْرِقَانِ الشَّيْءَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْعِلْمِ، وَبِأَنَّ مَسَائِلَهُ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَسَائِلِ الْفِقْهِ فَضْلًا عَنْ بَاقِي الْعِلْمِ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَقَلُّ الشَّيْءِ نِصْفَهُ.

وَأُجِيبَ عَنْهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ حَتَّى كَأَنَّهُ لِجَلَالَتِهِ نِصْفُ كُلِّ مَا يُتَعَلَّمُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَالْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ، وَالتَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ» ، مَعَ حَقَارَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَعَهَا. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ جَدْوَاهَا وَمَصْلَحَتِهَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِنْسَانِ قِسْمَانِ، قِسْمٌ قَبْلَ الْوَفَاةِ وَقِسْمٌ بَعْدَهَا، وَهَذَا الْعِلْمُ خَاصٌّ بِمَا بَعْدَهَا، فَهُوَ نِصْفٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفَاسَتِهِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا قَلَّ حَجْمُهُ وَكَثُرَ نَفْعُهُ سَاوَى كَثِيرُ الْحَجْمِ كَثِيرَ النَّفْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْجَوْهَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَدِيدِ وَسَائِرِ الْمَعَادِنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>