. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
اللَّهُ تَعَالَى وَيُجْرِيهَا عَلَى لِسَانِ مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ مَعْرِفَتُهَا، وَيَحْجُبُهَا عَنْ إدْرَاكِ أَصْحَابِ الْفَطِنَةِ وَالْعُقُولِ الْمُسْتَعِدَّةِ لَهَا.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فَقَالَ أَمَرَ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ كَانَتْ الْعَرَبُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا نَائِرَةٌ وَلَا مُعْضِلَةٌ فِي قَضَاءٍ إلَّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ، ثُمَّ رَضُوا بِمَا قَضَى فِيهِ فَاخْتَصَمُوا إلَيْهِ فِي خُنْثَى لَهُ مَا لِلرَّجُلِ وَمَا لِلْمَرْأَةِ، فَقَالَ حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمْ فَوَاَللَّهِ مَا نَزَلَ بِي مِثْلُ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا يُقَلِّبُ أَمْرَهُ وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ لَا يَتَوَجَّهُ لَهُ فِيهِ وَجْهٌ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سُخَيْلَةُ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ، وَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذَا سَرَحَتْ فَيَقُولُ أَصْبَحْت وَاَللَّهِ يَا سُخَيْلُ، وَإِذَا رَاحَتْ عَلَيْهِ قَالَ أَمْسَيْت وَاَللَّهِ يَا سُخَيْلُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ السَّرْحَ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النَّاسِ، وَتُؤَخِّرُ الرَّوَاحُ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النَّاسِ، فَلَمَّا رَأَتْ سَهَرَهُ وَقِلَّةَ قَرَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ قَالَتْ لَهُ مَا بَالُك لَا أَبَا لَك مَا تُرَاك فِي لَيْلَتِك هَذِهِ، قَالَ وَيْلَك عَنِّي أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِك، ثُمَّ عَادَتْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا فَقَالَ فِي نَفْسِهِ عَسَى أَنْ تَأْتِيَ بِفَرَجٍ، فَقَالَ وَيْحَك اُخْتُصِمَ إلَيَّ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَا أَبَا لَك أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ أَقْعِدْهُ فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ فَرَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ فَامْرَأَةٌ، فَقَالَ عَسَى سُخَيْلٌ بَعْدَهَا، أَوْ صَبِّحِي فَرَّجْتهَا وَاَللَّهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ حِينَ أَصْبَحَ فَقَضَى بِاَلَّذِي أَشَارَتْ بِهِ عَلَيْهِ.
أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ الْمَالِكِيُّ هَذَا حُكْمٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ، وَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: ١٨] إذْ الْقَمِيصُ الْمُدْمَى لَمْ يَكُنْ بِهِ خَرْقٌ وَلَا أَثَرَ أَنْيَابِ ذِئْبٍ. وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: ٢٦] الْآيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّامِنُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِيرَاثِهِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا، أَحَدُهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ نِصْفُ الْمِيرَاثَيْنِ عَلَى طَرِيقَةِ ذِكْرِ الْأَحْوَالِ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ، عَلَى أَنْ يُضَعَّفَ لِكُلِّ مُشْكِلٍ بِعَدَدِ أَحْوَالِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْكِلِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute