وَرَابِعُ النَّحْرِ لِنَاذِرِهِ، وَإِنْ تَعْيِينًا لَا سَابِقَيْهِ، إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ
ــ
[منح الجليل]
(وَ) وَجَبَ أَنْ يُصَامَ (رَابِعُ) يَوْمِ (النَّحْرِ لِنَاذِرِ) صَوْمِ (هـ) بِدُونِ تَعْيِينٍ كَنَذْرِ صَوْمِ كُلِّ خَمِيسٍ أَوْ شَهْرِ الْحِجَّةِ بَلْ (وَإِنْ) نَذَرَ صَوْمَهُ (تَعْيِينًا) أَيْ مُعَيَّنًا لَهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ رَابِعِ النَّحْرِ فِي التَّوْضِيحِ اُنْظُرْ لِمَ لَزِمَ بِالنَّذْرِ وَصَوْمُهُ مَكْرُوهٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ جِهَةٌ تُضْعِفُ كَوْنَهُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الْمَنْهِيِّ عَنْ صِيَامِهَا، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُنْحَرُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا يَرْمِي فِيهِ الْمُتَعَجِّلُ، وَجِهَةٌ تُقَوِّي كَوْنَهُ مِنْهَا وَهِيَ أَنَّهُ يَوْمُ نَحْرٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَيَرْمِي غَيْرُ الْمُتَعَجِّلِ فِيهِ وَشُمُولُهُ اسْمَ التَّشْرِيقِ فَشَمِلَهُ النَّهْيُ، فَغَلَبَتْ الْجِهَةُ الْأُولَى لِمَا اقْتَضَاهُ النَّذْرُ مِنْ الْوُجُوبِ احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. وَلَمَّا لَمْ يُعَارِضْ الْكَرَاهَةَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا غَلَبَتْ عَلَيْهِ بِقَوْلِنَا لَا يُصَامُ تَطَوُّعًا إعْمَالًا لِلْجِهَتَيْنِ، وَلَا يُقَالُ اعْتِبَارًا لِجِهَتَيْنِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ حَدِيثُ زَمْعَةَ دَلِيلُ صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ فِي الْمُوَطَّإِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا نَصُّهُ «الْقَضَاءُ بِإِلْحَاقِ الْوَلَدِ بِأَبِيهِ» :
مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ إلَيْكَ قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ ثُمَّ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَتْ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» .
(لَا) يَجِبُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ صَوْمِ (سَابِقَيْهِ) أَيْ: الرَّابِعِ وَهُمَا ثَانِي يَوْمِ الْعِيدِ وَثَالِثُهُ لِحُرْمَتِهِ، وَالنَّذْرُ إنَّمَا يَجِبُ بِهِ الْمَنْدُوبُ (إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ) أَوْ قَارِنٍ أَوْ مَنْ لَزِمَهُ هَدْيٌ لِنَقْصٍ فِي حَجٍّ وَعَجْزٍ عَنْ الدَّمِ وَلَزِمَهُ صِيَامُ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَلَمْ يَصُمْهَا فَيَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةَ عَقِبَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَكَذَا مَنْ فَاتَهُ صَوْمُ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مِنْهَا قَبْلَ عَرَفَةَ فَيَصُومُهُ فِي أَيَّامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute