للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَدُخُولُهُ مَنْزِلَهُ وَإِنْ لِغَائِطٍ، وَاشْتِغَالُهُ بِعِلْمٍ وَكِتَابَتُهُ وَإِنْ مُصْحَفًا إنْ كَثُرَ

ــ

[منح الجليل]

؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ عَمَلِ الِاعْتِكَافِ وَحُرْمَتُهُ كَالصَّلَاةِ عِنْدَ خُرُوجِ رَاعِفٍ فِيهَا لِغَسْلِ دَمِهِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُنْدَبُ شِرَاؤُهُ مِنْ أَقْرَبِ الْأَسْوَاقِ إلَى الْمَسْجِدِ.

(وَ) كُرِهَ (دُخُولُهُ) أَيْ: الْمُعْتَكِفِ (مَنْزِلَهُ) أَيْ: الْمُعْتَكِفِ الَّذِي بِهِ زَوْجَتُهُ أَوْ سُرِّيَّتُهُ الْقَرِيبُ إنْ دَخَلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ بَلْ (وَإِنْ) دَخَلَهُ (لِغَائِطٍ) فَإِنْ بَعُدَ مُنِعَ دُخُولُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَهْلُهُ فَلَا يُكْرَهُ كَدُخُولِهِ أَسْفَلَهُ وَأَهْلَهُ أَعْلَاهُ. وَهَذَا لَا يُنَافِي جَوَازَ مَجِيءِ زَوْجَتِهِ إلَيْهِ وَأَكْلِهَا مَعَهُ وَحَدِيثِهَا لَهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُمَا فِي الْمَنْزِلِ (وَ) كُرِهَ (اشْتِغَالُهُ) أَيْ: الْمُعْتَكِفِ (بِ) تَعَلُّمِ (عِلْمٍ) أَوْ تَعْلِيمِهِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ.

فَإِنْ قِيلَ وَرَدَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ فَلِمَ كُرِهَ هُنَا. قُلْت حِكْمَةُ الِاعْتِكَافِ رِيَاضَةُ النَّفْسِ وَتَصْفِيَتُهَا مِنْ صِفَاتِهَا الْمَذْمُومَةِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ بِالْعِلْمِ. الْبُنَانِيُّ تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْعِلْمِ خِلَافُ ظَاهِرِ إطْلَاقِهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. شَيْخُ مَشَايِخِنَا الدُّسُوقِيُّ قَدْ يُقَالُ الْعَيْنِيُّ لَا تَرْخِيصَ فِي تَرْكِهِ فَلَا تَصِحُّ كَرَاهَتُهُ فَالنَّصُّ، وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِهِ.

(وَ) كُرِهَ (كِتَابَتُهُ) أَيْ: الْمُعْتَكِفِ يَنْبَغِي مَا لَمْ تَكُنْ لِقُوَّتِهِ إنْ كَتَبَ غَيْرَ مُصْحَفٍ بَلْ (وَإِنْ) كَتَبَ (مُصْحَفًا) الْمَوَّاقُ لَمْ أَجِدْهُ مَنْصُوصًا (إنْ كَثُرَ) أَيْ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ وَالْكِتَابَةِ فَإِنْ قَلَّ فَلَا يُكْرَهُ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِنْ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَخْتَصُّ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ. وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ الْمُبِيحِ لِلْمُعْتَكِفِ جَمِيعَ أَعْمَالِ الْبِرِّ الْمُخْتَصَّةِ بِالْآخِرَةِ فَيَجُوزُ لَهُ مُدَارَسَةُ الْعِلْمِ وَعِيَادَةُ الْمَرْضَى الَّذِينَ مَعَهُ فِي مُعْتَكَفِهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ إذَا انْتَهَى إلَيْهِ زِحَامُ النَّاسِ. وَيَجُوزُ لَهُ كَتْبُ الْمَصَاحِفِ لِلثَّوَابِ لَا لِيَتَمَوَّنَهَا وَلَا عَلَى أُجْرَةٍ يَأْخُذُهَا بَلْ لِيَقْرَأَ

<<  <  ج: ص:  >  >>