للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

قَضَى فِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ وَهِيَ دُونَ الْعَنَاقِ وَخَالَفَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مُحْتَجًّا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُخْرِجَ مَا لَيْسَ بِهَدْيٍ لِصِغَرِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ رُوِيَ فِيهِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَيَحْكُمَانِ عَلَيْهِ بِاجْتِهَادِهِمَا لَا بِمَا رَوَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، أَيْ: عَنْ السَّلَفِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ فَلَا يَصِحُّ الْعُدُولُ عَنْهُ كَمَا فِي الضَّبُعِ أَنَّهُ قَضَى فِيهِ بِكَبْشٍ.

فَإِنْ قُلْت تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ فَلِمَ لَا يَكْتَفِي الْحَكَمَانِ بِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْبَابِ. قُلْت لَمْ يَخْرُجْ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ أَصْلِهِ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَيَحْكُمَانِ عَلَيْهِ بِاجْتِهَادِهِمَا لَا بِمَا رُوِيَ إذَا وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ أَوْ مَنْ بَعْدَهُمْ خِلَافٌ.

وَأَمَّا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَحِلُّ الْعُدُولُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهَا وَلَا يَكْتَفِيَانِ فِي الْجَزَاءِ بِمَا رُوِيَ وَلِيَبْتَدِئَا الِاجْتِهَادَ وَلَا يَخْرُجَانِ عَنْ أَثَرِ مَنْ مَضَى، وَكَذَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ لَا يَكْتَفِي فِي الْجَرَادِ وَلَا فِي غَيْرِهِ أَوْ النَّعَامَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ فَمَا دُونَهَا بِاَلَّذِي جَاءَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَأْتَنِفَا الْحُكْمَ فِيهِ وَلَا يَخْرُجَا عَمَّا مَضَى اهـ.

كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ اجْتِهَادَهُمَا فِي الْوَاجِبِ لَا فِي سِمَنِهِ وَهُزَالِهِ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ إذْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمَا لَا يَتَعَرَّضَانِ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِمَا أَنْ يَأْتِيَا بِمَا يُجْزِئُ ضَحِيَّةً، وَهُنَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: الْحُكْمُ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى فِي الْمَرْوِيِّ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ الَّذِي اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يَحْكُمُ بِهِ} [المائدة: ٩٥] فَأَتَى بِالْمُضَارِعِ الدَّالِّ عَلَى الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَوَقَعَ فِي الْآيَةِ جَوَابُ الشَّرْطِ فَخَلَّصَهُ لِلِاسْتِقْبَالِ.

ثَانِيهِمَا: إذَا حَكَمَا لَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي مَحَلِّهِ، فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيَّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُوَطَّإِ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ فِي النَّعَامَةِ إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ بَدَنَةٌ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ شَائِعٌ قَدِيمٌ تَكَرَّرَ حُكْمُ الْأَئِمَّةِ بِهِ وَفَتْوَى الْعُلَمَاءِ بِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>