وقوله:{رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(١) سورة العلق] وصفٌ مناسبٌ مشعر بعلية الحكم بالقراءة، والإطلاق في قوله:{خَلَقَ} أولاً: على منوال يعطي ويمنع، وجعله توطئةً لقوله:{خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [(٢) سورة العلق] قال السهيلي: "لما قال ثلاثاً: ما أنا بقارئ، قيل له:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} أي لا تقرأ بقوتك، ولا بمعرفتك، لكن بحولِ ربك وإعانته، فهو يعلمك كما خلقك، ولما نزع عنك علق الدم ومغمز الشيطان في الصغر، وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم، بعد أن كانت أمية" وفي قوله: {خَلَقَ الْإِنسَانَ} إشارة إلى أن الإنسان أشرف المخلوقات، ثم الامتنان بقوله:{عَلَّمَ الْإِنسَانَ} [(٥) سورة العلق] يدل على أن العلم أجل النعم، {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [(٣) سورة العلق] أي الزائد في الكرم على كل كريم.
المقدم: وبالنسبة لما ذكرتم عن جابر -رضي الله عنه- في ترجيحه تقديم {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} يقول: هو يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: أحدثكم بما سمعت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بناءً على سماعه فقط نحن رددنا قوله بناءً على الفهم، وإلا لم يصرح النبي -عليه الصلاة والسلام- في أن أول ما بدئ به الوحي عليه بـ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصرح بذلك، وإنما فهم جابر -رضي الله عنه- أن أول ما نزل عليه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} يقول: أحدثكم ما حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((جاورت بحراء شهراً، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت)) الآن سورة اقرأ نزلت في الجوار نفسه أو بعد الجوار؟ في الجوار بالغار، فدل على أن بعد الجوار نزلت سورة {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} بينما اقرأ في وقت الجوار ((فلما قضيت جواري هبطت فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً ... )) إلى آخره، فقلت:((دثروني دثروني)) إلى أن قال: ((فنزلت يا أيها المدثر)).
المقدم: هنا بقي شهر كما بالنص قبل قليل، ونحن نقول: أنه ابتدأ -عليه الصلاة والسلام- بالتحنث لمدة تقرب من ستة أشهر، أو هذه فقط كانت بدايتها في الرؤيا الصالحة؟