"فقالت خديجة: كلا" نفيٌ وإبعاد، أي لا خوفٌ عليك، وفي التهذيب للأزهري: قال الأخفش: معنى كلا الردع والزجر، وهو مذهب الخليل، وإليه ذهب الزجاج في جميع القرآن، وقال ابن الأنباري: قال المفسرون معنى كلا حقاً.
"والله ما يخزيك الله أبداً" يخزيك من الخزي، أي ما يفضحك الله، وفي رواية الكشميهني:"ما يحزنك" بفتح أوله والحاء المهملة "يُحزنك" أو بضم الياء وكسر الزاي من الحزن من الثلاثي أو الرباعي.
المقدم: عفواً، فضيلة الدكتور الكشميهني يتكرر كثيراً، هو له علاقة بصحيح البخاري؟
نعم، أحد الرواة المشهورين، بل من أشهر الرواة على ما قال عنه الشراح، لا سيما ابن حجر ذكره في مواضع أنه ليس من الحفاظ بل هو مجرد راوية، لكنه راويةً من أتقن الرواة، وإن كان ليس أتقنهم، بل في بعض رواياته شيءٌ من الاستدراك، لكنه من أتقن الرواة؛ لأن ابن حجر ثلاث مرات يذكره، ويذكر أن بعض الشراح يغمزه، لكن مع ذلك هو متقن في الجملة، وإن كان عليه بعض الملاحظات.
"والله ما يخزيك الله أبداً" ثم ذكرت العلة والسبب على ما أقسمت عليه "إنك لتصل الرحم" أي القرابة، "وتحمل الكل" الذي لا يستقل بأمره، كما قال تعالى:{وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} [(٧٦) سورة النحل].
"وتكسب المعدوم" أي تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، و (كسب) يتعدَ بنفسه إلى واحد، نحو كسبتُ المال، وإلى اثنين نحو كسبتُ غيري المال، وهذا منه، وتكسب بفتح التاء، وللكشميهني تُكسب بضم أوله من أكسب أي تُكسب غيرك المال المعدوم، أي تتبرع به، والرواية الأولى أصح كما قال القاضي عياض.
قال الخطابي:"الصواب المعدم، بلا واو أي الفقير" لأن المعدوم لا يُكسب، المعدوم معدوم أي مفقود كيف يكسب؟ وأجيب بأنه لا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم؛ لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرف له، وفي تهذيب اللغة للأزهري وهو بالمناسبة كتابٌ من أنفس كتب اللغة وأهمها وأعلاها، قال ابن الأعرابي:"رجلٌ عديمٌ لا عقل له، ورجلٌ معدم لا مال له" وقال غيره: فلانٌ يكسب المعدوم إذا كان مجدوداً ينال ما يُحرمه غيره.